خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

إعلان ومقدمة لخواطر يومية على مدار سنة بعنوان

الطبيعة الشافية… مجاورات على طريق العافية

قررتُ أن أكتب خواطر يومية على مدار سنة. الفكرة انطلقت من أحاديث عبر أشهر. ما يجري حول العالم وبمنطقتنا خاصة، حثّني أن أبدأ. سأبدأ في 1/ 8/ 2020 الذي يصادف اليوم الثاني من عيد الأضحى المبارك. التضحية والفداء ينتميان إلى منطقتنا منذ القدم. المسيح الفلسطيني يوصف ب “الفادي” ببلاد الشام، عكس وَصْف الغرب له ب”المخلّص” – كلمة تتوافق مع رغبتهم إيهام الناس أن هدفهم أن يخلّصونا من “تخلُّفٍ” أوهمونا به. لا يقتصر هذا على السياسيين بل أيضا على شعرائهم (مثل رُدْياردْ كِبْلِنْغْ الانكليزي) وأدبائهم (مثل ألبير كامو الفرنسي). آن الأوان لانتزاع أنفسنا من الميوعة الذهنية واستعادة مقوماتنا في شتى المجالات. نحتاج إلى جرأة ذهنية وأمل وصبر وإيمان وتكافل وروح الضيافة والعطاء، نستعيد عبرها جميعا الحكمة كمرجعية بدل العلوم التقنية التي يجب أن تبقى ضمن حدودها. الخواطر مبنية على ثلاث قناعات: المجاورة طريق العافية؛ كل شخص مصدر معنى ومعرفة وفَهْم؛ والبناء على ما هو متوفر، وهو كثير. لا تحتاج هذه القناعات لورش عمل وتدريب وميزانية فهي مِلْكُ الناس جميعا، يستطيعوا العيش وفقها منذ الآن، حيث يقرروا كل شيء، بما في ذلك معاني الكلمات التي يستعملوها. ترتبط القناعات بالكرامة والتعددية والمسؤولية. لا أكتب لإقناع القارئ بأي شيء سوى أنه يملك مقومات تغيّبها المدنية الحديثة وحثّه أن يعيش وفقها، خاصة كشريك بتكوين معنى فهي قدرة عضوية ومسؤولية وحق (مغيب بالطبع من الإعلانات العالمية للحقوق!) آمل أن تسهم هذه الخواطر بقيام الشباب خاصة ببلورة رؤية تكون بمثابة بوصلة لهم؛ أمرٌ هام لكن مُغَيّب.

بالنسبة لي، ما يحكم الخواطر رؤية واسعة أعبّر عنها بتعبير ضيق: “مجاورات على طريق العافية”. يتوافق الاتساع والضيق مع قول النفري: “كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة” والتي تعني أن العقل قاصر أن يستوعب الحياة بكليتها، واللغة قاصرة أن تعبّر عن الحياة بكليتها. المجاورة لا تحكمها ديمقراطية التصويت بل ديمقراطية المعنى (كل إنسان شريك بتكوين المعنى)، وديمقراطية التفاعل بين البشر كالتحادث والحكي، وديمقراطية بُنْيَة المجتمع المتمثّلة بمجاورات، وديمقراطية قيمة المرء كما بقول الإمام علي “قيمة كل امرئ ما يُحسنه”. تنتمي هذه الديمقراطيات للجذور، لا للأغصان كما هي ديمقراطية التصويت.

ما أكتبه في هذه الخواطر ليس حقائق تدّعي الأحادية والعالمية بل قناعات تكوّنت عبر عقود من الزمن نبعت من خبرات وتجارب وتحادث وقراءات وتأمُّلٍ واجتهاد. شراكة الشخص في تكوين معنى تشكل أساس معرفته لذاته ولعلاقته مع من وما حوله، كما تشكّل مناعة على صعيد الفكر والتعبير والإدراك، وأساس جدْل نسيج بالمجتمع ومع الطبيعة والحضارة.يقول النفري: “اعرف من أنت، فمعرفتُك من أنت هي قاعدتك التي لا تنهدم وهي سكينتك التي لا تزلّ”.

باختصار، هذه دعوة لتكوين مجاورات من كل الأنواع وبدء كل شخص بمعرفة ذاته – أساس كل المعارف وأساس الطبيعة الشافية. الرؤية أقرب إلى البصيرة التي هي عين القلب. باختصار، تبقى الرؤية الوسيلة التي ندرك بها الحياة والوجود بشتى أبعاده ومكوناته فنحصّل ما يتعذر تبليغه باللغة والعقل. اتساع الرؤية وضيق العبارة هو تصوير بليغ للمعاناة في وضعنا الحالي الذي لم يعد يتحمل إهمال الرؤية وتشويهها عن طريق معادلتها بأهداف (مكونة من أبجدية دعائية استهلاكية). لذا عندما أستعمل “العيش بعافية” كتعبير عن الرؤية التي نعيش وفقها، هي – فكرًا ولغةً – قاصرة عن التعبير عن الرؤية كاملا. “العيش بعافية” تشير وتلمّح وتبلّغ الرؤية لكن لا تشملها كليا؛ الرؤية أوسع بكثير. جدير بالذكر أن قصور الفكر واللغة لا ينبع من ضعف فيهما بل يكمن في اتساع الرؤية؛ وهذا ما يجعل قول النفري هاما جدا في وقتنا الحالي. لذا من السذاجة الاعتقاد أن بالإمكان التعبير عن رؤية بمفاهيم وكلمات فهي غير قادرة أن تغوص إلى غور وأعماق وكُنْهِ ما يشار له برؤية. ليس المقصود من الرؤية أن تُسْمَع أو تُقْرأ أو تُدْرَس بل تُعاش عبر أفعال وقصص. ألخّص حياتي عادة بكلمتين: احتلال وعودة؛ تظهران في خواطر كثيرة.

#منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *