رقم 𝟭: ’التعليم عن بعد ‘ و’التعلم عن بعد ‘… خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

الخاطرة رقم 1 (1 آب/ أغسطس) 2020 – ’التعليم عن بعد‘ و’التعلم عن بعد‘

ما أود الحديث عنه بهذه الخاطرة (و خواطر أولى أخرى) أمور ذات علاقة بكورونا – بما أننا نعيش في وسط الجائحة. سأبدأ بظاهرة التعلم عن بعد/ التعليم عن بعد (واللذين سأكتب عنهما بتفصيل أكثر بخواطر قادمة). لكن قبل التكلم عن التعليم، أود أن أحكي قصتي مع الدجاج “المعاصر”. عام 1978 كنتُ أعمل بجامعة بيرزيت. بدأ البعض يتحدث بانبهار عن مزرعة دجاج حديثة على الطريق بين بيرزيت ورام الله. ذهبت مع أصدقاء لنتفرج ونشتري بيض. ما شاهدته كان مثيرا: صفوف من المواعين، حول كل منها حوالي 10 دجاجات جنبا لجنب لا يستطعن الحركة، رؤوسهم داخل الماعون يأكلون ما فيه من علفٍ جاهز ‘مقرّر’ ومصنّع – نفس العلف للجميع. كان هناك مراقب يملأ المواعين حين تفرغ، كما أشار إلى أضواء بالسقف حتى تستمر الدجاجات بالأكل في الليل، ثم أكمل: إذا توقفت دجاجة يومين أو ثلاثة عن إنتاج بيض، تُأْخَذ خارجا وتلقى مصيرها. كنت وقتها منشغل جدا بإعادة النظر بالتعليم وأرى فيه مصائب كثيرة، والتي بدأتُ أعيها بعد حرب 1967. لذا كان إدراكي جاهزا لملاحظة وجه الشبه بين المزرعة والتعليم النظامي. أول ما خطر ببالي أن هذه المزارع الحديثة سرقت فكرتها من التعليم النظامي! ما رأيته بالنسبة للدجاج هو بالضبط ما نفعله للطلبة: الماعون هو الدرج؛ العلف هو الكتب المقررة؛ عدم إنتاج بيض هو رسوب بامتحان؛ المراقب هو المدرّس؛ وَضْع الدجاجات رؤوسها بالماعون كوضع الطلبة رؤوسهم بالكتب المقررة (أو شاشات كما ’التعليم عن بعد‘)؛ الإضاءة لمساعدة الدجاج يأكل علف كالإضاءة للطلبة لعمل فروض مدرسية! ’صفوف‘ المزرعة تشبه صفوف المدرسة إذ لا يتحرك الطلبة سوى ساعات يوميا على مدى 12 سنة حيث يبلعوا نفس الكلمات “ويبيضون” نفس الإجابات. إذا تخلف طالب عن إنتاج جواب يعاقَب.

تذكَّرْتُ هذه القصة لأني أشعر بقلق كبير نتيجة ’الهيصة والزنبليطا‘ التي قامت في العالم حول ’التعليم والتعلم عن بعد‘. تَغَيَّر العالم جذريا بشكل متسارع في الجذور خلال الخمسة أشهر الفائتة، ما عدا في المدارس والجامعات الصامدة كالصخر لا علاقة لها بما يحدث حول العالم ساجدةً أمام معبد المنهاج تلبي طلباته! نسمع باستمرار ضرورة إحداث تغيير بالتعليم النظامي وعندما لاحت فرصة (وهي فرصة حقيقة ونادرة لإعادة النظر بالتعليم) اختار المسئولون أن يبقي الطلبة أنوفهم في مواعين الكتب المقررة وسوط العلامات فوق رؤوسهم. يشبه هذا عائلة موجودة في بيت يحترق ويتكلمون عما يطبخوه تلك الليلة! إن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على جفاف بالعقول وضحالة بالفكر وتخدير بالإدراك. [سأذكر في خواطر قادمة ما كان وما زال يمكن أن نفعله التي هيأتها هذه الفرصة النادرة.] ما يحدث فرصة نادرة لانتزاع أنفسنا من الميوعة الذهنية وعنجهية مدارس وجامعات النخبة ونستعيد مقوماتنا الذاتية، والعافية والحكمة في حياتنا والعيش وفق الطبيعة الشافية كبوصلة، كما نستعيد التعلم كقدرة عضوية والفهم كأهم مكوِّن للتعلم. نحتاج إلى جرأة في الذهن ووضوح في الرؤية، وإلى أمل  وصبر وإيمان وتكافل وروح ضيافة وعطاء للخروج من حالة التخدير السائدة.

#منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *