رقم 4: حول الكتب المقررة … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

حول الكتب المقررة … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية لمنير فاشه

(4 آب/ أغسطس 2020)

عندما وُوجِهَ العرب أول مرة بتعبير textbooks ، لا شك أنهم وقعوا بحيرة: كتب نصوص؟! تعبيرٌ ضحل، فالكتب تشمل نصوصا بطبيعتها؛ تعبيرٌ لا وجود له رديف بالعربية. تفكروا بالموضوع واختاروا ما رأوه أقرب ما يمكن لحقيقة هذه الكتب فأسموها: كتب مقررة. كتابة أسماء مؤلفين على الغلاف يغطي ويغيّب مَن قررها. ملاحظتان في هذا المقام. الأولى: هل سمع أحدكم عن شخص ذهب إلى وزارة تربية وتعليم ليشتري كتبا مقررة لأنه يجد فيها متعة أو فائدة؟ لا أعتقد. الملاحظة الثانية: لدينا منذ 1200 سنة كلمتان – البيان والتبيين – عنوان كتاب الجاحظ. لا يوجد تفسير واحد (سوى حالة تخدير عميقة) لجعل العرب يتبنّوا textbooks ويهملوا كتبا هي في جوهرها بيان وتبيين. لا يوجد كتاب مقرر ولا حتى جملة واحدة فيه تجسد بيانا وتبيينا! وضّح الجاحظ عنوان كتابه بهذه الكلمات: “بيانٌ لدى الشخص يبيّن المعاني القائمة في صدره والمتكونة في فكره. ما يُحْيي تلك المعاني، ذكرُهُ واستعمالُه لها مما يقرِّبُها من الفهم ويجلّيها للعقل ويجعل الخفي منها ظاهرا. وعلى قدر وضوح الدلالة وصواب الإشارة وحسن الاختصار ودقة المدخل يكون إظهار المعنى. وكلما كانت الدلالة أوضح وأفصح وكانت الإشارة أبين وأنور كان أنفع وأنجع. والدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان؛ اسمٌ جامعٌ لكل شيء كشف قناع المعنى. فبأي شيء بلغتَ الإفهام وأوضحتَ عن المعنى، فذلك هو البيان. من هنا، المعاني ليس لها حدود، بينما الألفاظ معدودة محدودة”…

تصوروا لو كانت الكتب بالمدارس بيانا وتبيينا بدلا من اللغة البلاستيكية السائدة. صعبٌ علينا، كما يظهر، أن نستعيد هذه الرؤية للكتب لأن عقولنا تجفّ عبر 12 سنة نمر بها دون إرواء. الكتب المقررة المصنعة بالنسبة للعقل تشبه المأكولات والمشروبات السريعة المصنعة بالنسبة للمعدة؛ كلاهما يوحي بفائدة لكن فعليا يضر أكثر مما ينفع. جدير بالذكر أن العرب لاحظوا العلاقة بين ما يغذي الجسم وما يغذي العقل إذ قالوا: نروي حكايات ونروي نباتات. نادر إيجاد حكايات مروية بالكتب المقررة، أو نباتات مروية بحديقة. التكنولوجيا أداة يمكن أن تضيف نواحي بحياتنا لكنها إذا سَلَبَتْ ما هو موجود فينا بالخليقة، ضروري عندها أن نسأل عما نخسره، وأيضا فيما إذا كنا نحوم بين الأغصان أم نغوص في الجذور.

ما أودّ قوله باختصار: ويلٌ لأمة تعتمد على كتب مقررة كمصدر معرفتها.

#منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *