رقم 6: لغتان لا واحدة ,1 ’لغة الأم‘ و’اللغة الأم‘… خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

٦ لغتان لا لغة واحدة ١ خواطر الطبيعة الشافية

(6 آب/ أغسطس 2020)

لغتان لا واحدة  الجزء الأول

 ’لغة الأم‘ و’اللغة الأم‘… أخطر احتلال والأكثر خُبْثًا وخفاءً، وهو الأقدم زمانًا، هو احتلال ’اللغة الأم‘ محل ’لغة الأم‘. تتمثّل ’اللغة الأم‘ بلغة الكتب المقررة والكلمات المؤسسية والمصطلحات المهنية والتصنيفات الأكاديمية؛ لغة المؤتمرات والمنظمات الدولية، ولغة الدولة القومية. بالمقابل ’لغة الأم‘ هي اللغة الحية الأولى التي يتعلمها الطفل، ولغة التحادث والشعر والحكايات والأدب والقرآن الكريم. اللغتان، رغم تشابُه الحروف، تمثلان عالمين مختلفين جذريا. حصل هذا الاحتلال قبل حوالي 400 سنة نتيجة تصميم وتخطيط وتنفيذ [سأحكي بخاطرة قادمة تارخ نشوئه]، وكوّن أهم ركن بالدول القومية الناشئة بأوروبا (فرنسا وانكلتره والسويد ثم دول أوروبية أخرى، ثم انتقل إلى بلداننا عبر جاليات واستعمار). مزّق هذا الاحتلال النسيج الثقافي الفكري الاجتماعي الغني المتعدد وأصبحنا نَتَعاطَ مع ’لغة بلاستيكية‘ مخدِّرة: اللغة الأم، التي توحي بإيجابية لكنها بالجذور كانت وما زالت فيروسا رئيسيا في غزو العقول والسيطرة عليها واستلاب مناعتها؛ فيروس بمثابة حصان طروادة يهزمنا من الداخل. لو بقيت ضمن حدودها (بمعنى أنها بقيت ترتبط بنواح مثل أجهزة ولم تقتحم الحياة الحية) لا ضيم في ذلك، لكنها اقتحمت الحياة وغيَّبت اللغات الحيّة. لم يستعمل العرب عبر تاريخهم تعبير ’اللغة الأم‘ قبل غزو الغرب لنا. أقرب تعبير استعملوه هو أمهات الكتب. ‘اللغة الأم’ لغة حروفها عربية لكن معانيها ومرجعيتها مؤسسات وأكاديميو وخبراء القبيلة الأورو-أمريكية. [أستعمل ’قبيلة‘ لحماية الأجيال الصغيرة والمستقبلية من خرافة أن معارف وعلوم القبيلة المهيمنة أحادية عالمية.] اللغة العربية الحيّة – البيان والتبيين – مغيّبة كليا من الكتب المقررة والأكاديمية. أمثلة لكلمات شائعة تستعملها ’اللغة الأم‘: نجاح رسوب تقدُّم تخلُّف ذكاء تنمية منافسة تميُّز تفوُّق إبداع ‘مجتمعات معرفة’ ’هجرة عقول‘ ’عصف ذهني‘ ’تغذية راجعة‘ ’تنمية مستدامة‘ ’تعليم نظامي‘ ’تعليم عالي‘ ’تمكين المرأة‘ ’تعليم الكبار‘ – جميعها نما ضمن عالم الاستهلاك الذي تحكمه لغة الدعاية وقيم السيطرة والفوز. تشمل الكلمات الحيّة: محبة كرامة ضيافة تقوى أمل حكمة إيمان احترام مثنى عافية مجاورة. حتى تعرف شخصيا الفرق بين اللغتين، حاول أن تكتب صفحة عن حياتك دون استعمال أي كلمة مؤسسية/ مصطلح  مهني/ تصنيف أكاديمي. صعب جدا. ستجد كم نحن بعيدين عن أنفسنا ومعرفة ذاتنا وعن لغات حية تستمد معانيها من الحياة.

#منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *