رقم 38: جزء ١- المجاورة مع النساء بحي النزهة بعمان، كجزء من مشروع ´المجاورة على طريق العافية´ … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(7 أيلول/ سبتمبر 2020)

كانت أول مجاورة لي في المشروع مع ما يقارب من عشرين امرأة بمركز الأميرة بسمة بحي النزهة، استمرت أكثر من سنة ونصف قبل أن توقفها جائحة كورونا. كانت من أكثر (إن لم تكن أكثر) المواقع التي شعرت فيها أني عشتُ، مع مجموعة، تعلُّمًا لا علاقة له بتعليم وبيداغوجيا. مررنا بحالة تعلُّم وجدانية عميقة وَصَفَتْها النساء بالعنوان الذي اخْتَرْنَه للكتاب الذي سيجمع حكاياتهم: ‘حكايا الروح’. شعرتُ في لقاءاتنا بمشاعر إنسانية حية منعشة عميقة هي الأقرب في حياتي لما أشار له ´ابن سينا´ بالطبيعة الشافية. لم يكن فيها تدريس ولا مواد جاهزة ولا تقييم، ولم تكن ورشة عمل ولا برنامج تدريب حول جندرية وتمكين وتنمية ومساواة وحقوق وتعليم الكبار وتعليم شعبي، ولا عن جودة التعليم وتنمية مستدامة وفكر تنويري (نورُه ساطع يعمينا عن رؤية الواقع). حكيتُ حكايات وحَكَيْنَ حكايات. إحدى القصص التي حكيتُها في البداية سمعتُها من ‘أسعد عكة’ مدرّس الأحياء بكلية بيرزيت عام 1962 (حيث كنت أدرّس الفيزياء والرياضيات) كيف أن الصَدَفَة التي تبقى بمياهٍ راكدة لا يتكون فيها لؤلؤ، بينما التي تصطدم بهذه الصخرة وتلك وتدفعها المياه بكل الاتجاهات يتكون فيها لؤلؤ. كم يصدق هذا على البشر. الشخص الذي يبقى محميا من الحياة ولا يمر بمعاناة وظروف حقيقية بل بنشاطات مصنّعة مبرمجة لا يتكوّن ‘لؤلؤ’ بداخله. ربما يحصل على لآلئ يضعها حول عنقه لكن لا تتكون بداخله. قلت للنساء: ‘لم تَعِشْنَ حياةً راكدة بل صاخبة بخضمّ الحياة، مما لا شك أن داخل كلٍّ منكنّ لؤلؤة جاهزة للصقل والبيان. لقاءاتنا مكانٌ آمن لِتَصْقُلْنَها بصدق وعمق.’ هذا ما حصل. لم يكن الأمر هيّنا إذ كان صعب أن يشعرن بأن قصصهن ذات قيمة، لكن بعد فترة بدأت ‘الكنوز’ التي بدواخلهنّ تخرج عبر بياناتهنّ: تَعَلُّمٌ بأبهج حالاته، تلقائي لا مُخَطَّط. شعَرَتْ النساء في تلك الأجواء بحيوية وإيمان وأمان، وبدأت القصص تتدفّق. كان التحادث الفنّ الذي جدل النسيج بيننا، وأنعَشَ الروح والمحبة والعلاقات وروح الضيافة التي تجسّدت في أحلى حالاتها بضيافة أفكار تمثَّلَتْ بإصغاء شديد بعضُهُنَّ لبعض… التعلُّم في الجذور لا يبدأ بمواد جاهزة من ´خبراء´ بل بكنوز تملأ ذاكرتهم الشخصية والجمعية. الفكر الحديث ينطلق من أن ما لدى الناس ليست له قيمة وبالتالي يحتاجوا لمساعدة. سأحكي في الخواطر الثلاثة القادمة بعض ما تعلمتُه شخصيا عبر تلك المجاورة.

#منير_فاشه  #مجاورة #خواطر  #الطبيعة_الشافية  #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل #تعلم  #التعلم_قدرة_عضوية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *