رقم 55: رسالة إلى غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(24 أيلول/ سبتمبر 2020)

رسالة إلى غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي

أول ما أودّ ذكره أني وُلِدْتُ بالقدس عام 1941، أي أننا جيل واحد، لكني أصغر منك بسنة.

يوم 11/ 12/ 1917 دخل الجنرال الانكليزي ‘اللنبي’ القدس، وخطب في قاعة ب‘باب الخليل’. أول جملة قالها (وفق ما ذكر بمذكراته ‘واصف جوهرية’ مسيحي موسيقي من القدس حضر اللقاء): ‘اليوم انتهت الحروب الصليبية’. كان يجب أن يكمل: ‘واليوم تبدأ حملة صليبية صهيونية جديدة’. كانت بلاد الشام زمن الحملة الصليبية الأولى (قبل 900 سنة) متنوعة الثقافات والأديان والمذاهب؛ نصف أهاليها من طوائف مسيحية متنوعة. كانت الحروب الصليبية وبالاً على مسيحيي بلاد الشام. الحملة الصليبية-الصهيونية التي بدأت عام 1917 كانت أكثر وبالاً وبمباركة عصبة الأمم ثم هيئة الأمم. عند دخول جنرال اللنبي كانت نسبة المسيحيين بفلسطين تقارب خُمْس السكان. اليوم لا تزيد عن 2% (عدد المسيحيين العرب حاليا بالقدس يقارب 3 آلاف، وَهُم بتناقُص). لم يحدث هذا بسبب حركات إسلامية بل بتصميم وتخطيط من بريطانيا ‘المسيحية’ الذي أدى إلى جريمة 1948، وما زالت الجريمة مستمرة من حيث هدم بيوت وسرقة أراضٍ وقتل بشر.

وُلِدْتُ بالبيت الذي بَنَتْه أمي وأخواتها الثلاثة عبر الخياطة عشرين سنة. اضطرت أمي للعمل بعمر 12 سنة إذ توفيت أمها وكان أبوها ضريرا. هيّأَتْ بريطانيا للصهاينة طرد العرب، مسلمين ومسيحيين، كنت أحدهم. كان عمري 7 سنوات. زوجتي وأولادي ممنوعين من العيش معي بفلسطين. ما زال البيت الذي ولدتُ فيه قائما تحتله عائلة يهودية جاءت من أوروبا منذ 72 سنة دون أي شعور، كما يظهر، بأنها تقترف جريمة حيث سرقت بيتا بَنَتْه أربع نساء عبر خياطة ملابس على مدى عشرين عاما! أَخْرَج ‘أحمد الضامن’ عام 2012 فلمًا عن 5 أشخاص (أنا أحدهم) هُجِّرنا من القدس عام 1948. عُرِضَ بقناة الجزيرة. صمم ابن خال أبي (سابا شبر) مدينة الكويت عام 1952. وكان لعائلة أمي ‘سنجق’ بكنيسة القيامة؛ كانت عائلتها ترافق بطرك القدس بالأعياد والاحتفالات الدينية. حاليا، أنا الذكَرُ الوحيد من عائلة ‘فاشه’ بفلسطين. لي أخت وابنة عم تحملان اسم فاشه. بموتنا نحن الثلاثة ينتهي وجود العائلة بفلسطين. تعرَّفْتُ على المسيح ليس عبر بطاركة وحملة دكتوراه باللاهوت بل عبر أمي الخياطة التي لم تعرف الأبجدية لكن المسيح كان يسكن قلبها، كما كان يسكن قلب أبي – سائق تاكسي هرب من المدرسة بالصف الرابع حين مشى المدرس نحو درجه قاصدا ضربه. عندما رأى المسيح الفلسطيني ما يفعله التجار والمرابون بأهالي القدس لم يقف على الحياد بل حمل سوطا وطردهم من بيت الله (عملٌ يشبه طرد البنوك المهيمنة ببلاد الشام اليوم). أتمنى عليك غبطة البطريرك أن لا تضع يدك بأيدي الصليبيين الجدد وإلا سينتهي وجود المسيحيين كليا من بلاد الشام مهد المسيحية. ستبقى كنائسنا أبنية حزينة فاقدة لأهلها. وَضْعُنا السيء كمسيحيين ببلاد الشام من صنع الصليبيين الجدد الذين أفهم من كلامك أنك تحتضنهم. آمل أن تسير طريق المسيح قبل ألفي سنة. الفرق بين شخص وآخر لا يكمن في التصنيف السطحي: مسيحي، مسلم، يهودي، كنفوشي، بوذي، متدين، علماني، ماركسي، تقدمي، رجعي، خبير، دكتور، باحث بل فيما إذا كان الشخص مع ‘جورج فلويد’ المدعوس عليه أو مع الشرطي الداعس على رقبته. المسيح الفلسطيني مع ‘جورج فلويد’؛ المسيح الذي اختطفته أوروبا وجعلته خادما للإمبراطور مع الداعس على رقبته.

معلومة أخيرة تنطبق على أشخاص قليلين جدا: البيت الذي وُلِدْتُ فيه يقع في منتصف الطريق بين مهد المسيح وقبره. من ذلك البيت يمكنني أن أصل إلى المكانين مشيا على الأقدام. أرفق صورة لموقع البيت وموقع المغارة وموقع القبر.

#Munir_fasheh #منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة #العيش_بأمل #تعلم #التعلم_قدرة_عضوية #لبنان #بيروت #البطريرك_مار_بشارة_بطرس_الراعي #التعلم_خارج_المدرسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *