رقم 57: عالم أمي … جزء 2: معرفة عبر الأبجدية ومعرفة عبر الأصابع … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(26 أيلول/ سبتمبر 2020)

إلى جانب معرفتها بالرياضيات، كانت أمي التي لم تعرف أبجدية ولا أرقام مدبرة لأمور البيت ومربية لنا أنا وأختَيَّ بطريقة لم أستطع أن أفعل مثلها مع أولادي رغم حصولي على دكتوراه بالتربية من جامعة تُعْتَبَر الأولى بالعالم! رغم كل الغنى بعالمها، يصفها ‘الخبراء’ بأمِّية جاهلة مهمشة تحتاج إلى تمكين. لا يرون ما تحسنه ولا الغنى الذي تجسّده بحياتها. معرفتها مرتبطة بالطبيعة الشافية التي تمثلت بحياتها. هي في الجوهر مصممة وفنانة. لم يكن مفهومها للتطابق كمفهومي حول تطابق مثلثات، بل كان تطابُقَ ملبس على جسم امرأة: دقة مرنة. دقة رياضياتي قاسية كالصخر. معرفتُها متداخلة متكاملة مرتبطة بسياق وفعل؛ انسجامٌ حيٌّ مستمر تعامَلَتْ معه كوحدة مترابطة، تماما كعلاقتها باللغة إذ لم تعِ أن الكلمات تتكوّن من حروف وأبجدية بل كانت كل كلمة بالنسبة لها بمثابة كائن حيٍّ كامل. لا يمكن قياس ذكائها عبر ‘فيروسات’ مثل IQ ولا عبر ‘ذكاءات متعددة’ كما صاغها ‘جاردنر’، ولا يمكن مقارنة ذكائها مع ذكاء إنسان آخر على خط عمودي.ذكاؤها خلطة خاصة بها. مثلٌ هنديٌّ يقول: ‘كل إنسان كامل بشكل فريد’. لهذا أجد عبارة الإمام علي ‘قيمة كل امرئ ما يحسنه’ من أكثر الأقوال الملهمة الشافية لنا من فيروسات تدخل العقل والقلب والإدراك والعلاقات وتخرّبها؛ هي عبارة تجسّد كرامة ومساواة وتعددية ومسؤولية، كما تشفينا من مرض الشعور بفوقية ودونية. كانت تهضم معرفتها كما تهضم أكلها؛ فالاثنان لا يحدثا إلا داخل الشخص؛ تهضمهما فيصبحا جزءا عضويا منها. عدم وعيي لسنوات طويلة أن ما كانت تفعله رياضيات ما زال لغزا يحيرني. كيف كان ممكنا بسهولة السيطرة على عقلي حيث لم يستطع أن يرى ما تراه عينيّ؟ هذا يوضح دور الكلمات بإظهار شيء أو تغييبه. لم أره لأن أحدا لم يُشِرْ له برياضيات، إذ كان التركيز دوما على محو أميتها! عنوان ورقة قدّمْتُها باليونسكو عام 2002: كيف نمحو الأمية دون محو الأميين؟ برامج محو الأمية عادة تمحو معارف الناس وثقافاتهم وأنماط حياة مرتبطة بالطبيعة والحياة – خسارة كبيرة لا تُعَوَّض.

 #Munir_fasheh  # منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر  #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *