رقم 67: جودة حذاء وجودة التعليم … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(6 تشرين أول / أكتوبر 2020)

عندما كنت في ريعان الصبا، كان هناك دكان بوسط رام الله لبيع أحذية ‘باتا’، شركة عالمية معروفة بجودة أحذيتها. صاحب المحل كلما نذهب لشراء حذاء يتكلم بحماسة كبيرة عن جودة أحذية الشركة والشهادات التي حازت عليها. كذلك الحال بالنسبة لجودة الصناعات والأجهزة الألمانية التي تميّزت بجودة عالية… ثم مرّت الأيام، وجاء يوم بدأتُ أسمع فيه عن جودة التعليم! اقرؤوا إعلانات مدارس النخبة العالمية والجامعات المرموقة (بالطب أو العلوم أو الرياضيات أو التربية…) اللغة التي تستعملها في التحدث عن نفسها تشبه كثيرا ما كنت أسمعه عن الأحذية: شهرتها عالمية، ترتيبها وفق هذا المقياس أو ذلك الأولى، متميزة بهذا أو ذاك عن غيرها، المكاسب التي سيجنيها من ينضم لها هائلة بمعنى أن الخريج سيكون مطلوبا أينما ذهب – ‘بضاعة’ عالمية، صالح في كل مكان وزمان، لا علاقة له بأي شيء سوى الطلب الكبير عليه وسعره بالسوق… باختصار: التحدث عن المدرسة أو الجامعة وعن الخريج وعن المعرفة كسلع ومن جودة عالية يوضح لماذا نحتاج إلى رؤى تتوافق مع مجموعة أخرى من القيم تختلف عن قيم الاستهلاك. وكثيرا ما يرتبط تميّزُها ومصداقيتها بأنها نسخة طبق الأصل عن جامعات مرموقة في أوروبا وأمريكا. أي نسخة عن لوحة ‘المونا ليزا’ مثلا (الذي سعرها بالملايين) لا يزيد سعرها عن ثمن الورق الذي تُطْبَع عليه. كذلك الحال بالنسبة للمدارس والجامعات. أي مدرسة أو جامعة لا تكون جذورها في المكان والثقافة والجغرافيا والتاريخ والحضارة والقناعات والقيم تكون في جوهرها عبارة عن مستوطنة معرفية، جسم غريب لا ينتمي للمكان ساقاه (وفق قول الرومي) في الهواء دون أن تكون إحداهما ثابتة. كما ذكرتُ في خاطرة سابقة، كنتُ محظوظا لأن أهلي وضعوني بمدرسة لم تفتخر بأنها أفضل من غيرها ولم يكن مديرها يسأل من يطلب الدخول فيها عن شهاداته من المدارس الأخرى، كما كان الناس يعتبرونها غير جدّية خالية من فيروس التنافس؛ كنا محميين منه. كلما كان يحدث أمر هم بالمنطقة، تتحول الحصص للحديث  عما يحدث. كان ارتباطنا بالمكان والمجتمع والثقافة والتاريخ والطبيعة جزءا من اهتمامات المدرسة. بعبارة أخرى، كنت محظوظا ليس بسبب جودتها كسلعة بالسوق بل للجو والعلاقات داخل المدرسة ومع محيطها. التحادث عن جودة التعليم يحوّل كل مكوناته إلى سلع لها سعر  بالسوق. حتى عندما تتحدث مدارس بافتخار عن قيامهم بخدمات في المجتمع وخروج للطبيعة، يكون في أغلبه دعائي يزيّن ويجمّل الصورة لكن لا يعكس جوهر المدرسة أو الجامعة في الجذور؛ في الجذور تطغى السلعية على كل شيء. لنتوقّف إذن عن التحدث عن جودة التعليم كسلعة، ونتكلم عن القناعات والقيم التي تحتكم المؤسسة بها.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل  #تعلم  #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *