رقم 68: أنواع التربة التي نتغذى منها كأشخاص ومجتمعات … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(7 تشرين أول / أكتوبر 2020)

لا أدري فيما إذا ربط العرب القدماء بين تربية وتربة، لكني أرى أن ربطهما بالوقت الحاضر، خاصة خلال جائحة كورونا وبعدها، هامٌّ جدا على شتى الأصعدة، وإدراكٌ آخر لمعنى تربية وتعلُّم وتعليم. كما أقول دوما، حتى نفهم المدنية المهيمنة علينا أن نبحث عما تُغيّبه وليس فقط عما تُظهره. أخطر ما تغيّبه برأيي أنواع التربة التي تغذي البشر: التربة الأرضية والتربة الثقافية والتربة المجتمعية والتربة الوجدانية – مغيَّبة جميعا من التعليم المدرسي والأكاديمي كأساس. أنواع التربة هذه هي أساس المناعة والمعنى وبناء معرفة والتغذية وجدل أنسجة، وبالتالي أهم عامل في مقاومة فيروسات على أصعدة شتى (العقل والجسد والإدراك والنفس والعلاقات). لماذا هي مغيّبة رغم أنها المكونات الأساسية للحياة؟ لأن تغييبَها ضروري للتراكم الأسي لرأس المال. عافية البشر والمجتمعات تتناقض مع هذا التراكم. بعبارة أخرى، أنواع التربة هذه تشكل اللقاح ضد شتى أنواع الفيروسات الحديثة. جائحة كورونا أعادت بقوة وإلحاح ضرورة الاهتمام بأنواع التربة هذه، فهي مصدر المناعة وهي مكونات الحياة. عندما يسأل البعض: ما هو البديل للتعليم ومواد التدريس؟ أقول: أنواع التربة التي نتغذى منها، حيث ما نحتاج له من مواد حالية (كاللغة والرياضيات والعلوم والتاريخ والجغرافيا والفنون والآداب إلى آخر ما هنالك من معارف) تدخل بشكلٍ طبيعي عند حاجتنا لها. بدأنا منذ أول أكتوبر بالسير على هذا الطريق بمراكز الأميرة بسمة التي يبلغ عددها 52 الموزعة في جميع أنحاء الأردن. إذا تبنّتْ مجموعات أخرى أنواع التربة كأساس ومرجع ومعيار في فكرها وبيانها وأفعالها وعلاقاتها، عندها نبدأ ببناء زخم ليس عبر تخطيط بل عبر مجاورات تنتقل حيويتها بشكل طبيعي إلى من حولها تماما كما تنتقل حيوية الخميرة بالعجين. لم يعد الوضع يتحمل الاستمرار بالميوعة الراسخة بالمؤسسات عامة، والتعليمية بشكل خاص، مثل الاعتقاد بأن التعلم ينتج عن تعليم، بينما هو قدرة موجودة فينا منذ الولادة. العالم على أبواب عهد جديد، في حالة مخاض، بينما التعليم النظامي والأكاديمي يغطّ في سبات عميق، يضع رأسه كالنعامة في الرمال، لا علاقة له بما يجري حوله من زلازل في عمق الحياة ويصرّ على إنهاء المنهاج وكأنه إله! استعادة المسؤولية للقيام بما ضروري القيام به، كلٌّ ضمن سياقه، وحيث تُجْدَلُ باستمرار أنسجة فيما بينهم، تشكل التحدي الأهم. تمثل هذه المسؤولية حكم الذات على الصعيد الشخصي والمجتمعي. التخلف لا يعني أنه ليس لدينا ما نحتاجه بل عدم وعينا لما لدينا، وهو هائل لكن مغيب. ينطبق هذا على كل المجتمعات. أهم ما يملكه كل مجتمع أنواع التربة التي ذكرتُها بأعلاه، والتي يشير لها الرومي بالجذور والساق الثابتة بحياة الإنسان والمجتمع. تشكل المجاورات اللبنة الأساسية في سعينا للعيش وفق أنواع التربة.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل  #تعلم  #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *