رقم 69: إلزام الحكومات بتوفير تعليم وعدم إلزامها بتوفير ماء نقي! لماذا؟ … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(8 تشرين أول / أكتوبر 2020)

كيف نفسر إلزام كل الحكومات بتوفير تعليم لكل الأطفال وعدم إلزامها بتوفير ماء نقي لكل الأطفال؟ هل يعكس هذا التوجه حكمة؟

عالم الاستهلاك مقابل عالم العافية… هذا ما أراه معيارا لفهم ما يجري، وللحكم على ما نفعل. الوضع في العالم يتطلب أن نميز بين ما يخدم الاستهلاك وما يتوافق مع العافية.

إذا فكرنا بالسؤال المطروح، من خلال هذا المعيار، نرى أن الأنظمة التعليمية التي سادت في العالم منذ 300 سنة على الأقل، وبدون استثناء، لا تسير فقط وفق قيم السيطرة والفوز ولا تخدم فقط نمط الاستهلاك في العيش وإنما تهيئ الأطفال والطلبة – خلال 12 سنة – لاكتساب أنماط في الفكر والإدراك والعيش تتوافق مع هذه القيم ومع نمط الاستهلاك. فتحويل المعرفة إلى سلعة، تُشترى وتُباع، وتحويل الإنسان إلى مالك ومستهلك لها، وتحويل قيمة الإنسان إلى شهادة تحدّد “سعره” في السوق، وفصل المعرفة عن الحياة… تشكل جميعا عناصر أساسية في نمط الاستهلاك في العيش. في المقابل، الماء مرتبط بالعافية، بل لعله أهم عنصر بالنسبة لعافية الأطفال. بعبارة أخرى، يرتبط توفير الماء بعافية الأطفال بينما يرتبط توفير التعليم بالسيطرة والفوز ونمط الاستهلاك. وبما أن العالم المعاصر يحكمه نمط الاستهلاك، يمكن أن نفهم لماذا هناك قوانين تلزم الحكومات على توفير تعليم للأطفال بينما لا توجد قوانين تلزم الحكومات على توفير ماء نقي لهم. فكلا الحالتين – فرض نفس المنهاج والمقياس، وعدم فرض قانون يوفّر ماء نقيا – يخدمان الاستهلاك. في الحالتين، العافية غائبة: العافية النفسية والعقلية غائبة نتيجة فرض نفس المنهاج والمقياس، والعافية الصحية غائبة نتيجة عدم توفير ماء نقي.

بالرغم من أن التعليم والماء يُعتبران في الاتفاقات الدولية حقّين من حقوق الأطفال، إلا أن هناك فرقا هاما بالنسبة لتعامل الاتفاقات مع الحقين. ويكمن هذا الفرق في أن التعليم حق ملزم على الحكومات بينما الماء حق غير ملزم. كل الحكومات ملزَمة بتوفير تعليم ولها الصلاحية لملاحقة الذين يتخلفون عن إرسال أطفالهم إلى المدارس، بينما لا توجد اتفاقات تلزم الحكومات على توفير مياه نقية لكل الأطفال وملاحقة من يسرقها منهم. 

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة   #العيش_بأمل   #تعلم  #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *