رقم 66: قوة اللغات الحية، لغة الناس … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(5 تشرين أول / أكتوبر 2020)

مثال يوضّح بشكل صارخ خطر اللغات الحية على من يسعى للسيطرة على الناس، وبالتالي يوضّح الفرق الشاسع والجذري بين لغة الأم (اللغة الحية) واللغة الأم (لغة المؤسسات والمسئولين). لاحظ ‘وليم تنديل’ William Tyndale سنة 1522 وهو بعمر 28 سنة أن لغة الإنجيل الرسمي المتداول بانكلترا ليست لغة الناس والحياة بل لغة السلطة الدينية-السياسية، وإقناع الناس بأنهم يحتاجون إلى أشخاص مرخصين لفهم ما قاله المسيح الفلسطيني الذي لم يقل شيئا يصعب فهمه من قبل الناس. أراد ‘تنديل’ ترجمة الإنجيل من لغته الأصلية للغة انكليزية حيّة يفهمها الناس دون واسطة مهنيين. رفض الملك ‘هنري الثامن’ طلبه للسماح له بذلك وهدّده بالقتل إذا فعل. هرب ‘تنديل’ إلى ألمانيا حيث تخبأ وترجم الإنجيل لِلُغَة انكليزية حية. أكمل الترجمة عام 1526 ونُشِرَ الإنجيل بلغته الجديدة وراج الكتاب بسرعة مما دعا الملك هنري أن يبحث عن ‘تنديل’، وعندما وجده ربطه بحبل وعلقه على خشبة  وحرقه حيًّا – عام 1536 عندما كان عمر ‘تنديل’ 42 سنة! ما فعله هنري الثامن كان تماما كما فعلت روما بالمسيح الذي تجرأ واستعمل كلمات يتداولها الناس، إذ صلبته على خشبة وهو بعمر 33 سنة. [جدير بالذكر أن الوحيد بين تلاميذ المسيح الذي لم يفهمه بل خانه هو الوحيد المؤهل: ‘يهودا الإسخريوطي’ الذي كان يحمل شهادة تشهد له بمعرفة إدارية ومالية.] باختصار، عُلِّق ‘تنديل’ على خشبة وحُرِق لأنه تجرأ وترجم الإنجيل إلى لغة الناس بدلا من لغة مؤسسات تخلق أناسا يرددونها كالببغاء بألسنتهم دون فهم ودون دخولها بقلوبهم.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل  #تعلم  #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

رقم 65: حول المناعة الذاتية … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(4 تشرين أول / أكتوبر 2020)

فلاحو بلاد الشام عبر آلاف السنين يزرعون شجر ‘لوز مُرّ’ ثم يركّبون عليه ما يحلو لهم من أشجار الفاكهة إذ عندها يضمنون توفّر مناعة ذاتية (متمثلة بساق الشجرة وجذورها) قادرة على حماية ما يركّبون عليها من أشجار الفاكهة ضد أي تسوس أو عطب. كما كانوا يعتمدون على دودة الأرض في تغذية الجذور لضمان عافية التربة والشجر. تربة الأرض الحاضنة الأساسية لعافية الإنسان مما يعني حمايتها يجب أن تكون أولى الأولويات. تنطبق هذه الحكمة على الفكر والمعرفة بمعنى ضرورة الاهتمام بالتربة الثقافية وحمايتها من التلوث والتخريب إذ تمثّل المناعة الذاتية لحماية الأهالي والمجتمعات من أمراض وأوهام وخرافات على صعيد العقل والإدراك، خاصة الحديثة منها التي مظهرُها مبهر لكن جوهرها مليء بفيروسات خفية. ما يشكل ‘الساق والجذور’ بالنسبة لمناعة الطفل هو اللغة الحيّة التي تتمثل بلغة الأم. لغة الأم لا تتكون من أبجدية بل هي خلطة حاضنة لمكونات جوهرية في الحياة: التحدث وجها لوجه مع الرضيع، والتحادث عبر العينين واليدين والأصابع. لغة الأم هي البيان الأول الذي يبيّن للطفل مشاعر حُبٍّ وحنان تُشْعِره بالأمان. جوهرُ بيان الأم هذا روحٌ ووجدان عصيٌّ على العقل أن يستوعبهما كليا، وعلى اللغة أن تعبّر عنهما كليا. هذه الخلطة هي ساق وجذور ‘شجرة اللوز المرّ’ على الصعيد الثقافي المعرفي الذي يمكننا فيما بعد أن نركّب ‘فواكه’ فكرية تعبيرية من حضارات أخرى، توسّع مداركنا دون أن تسلبنا مقوماتنا. يعي الفلاح أن التركيز على تحسين الأغصان وإهمال الجذور لا يلبث أن يؤدي لعطبٍ بالجذور يودي بحياة الشجرة. كذلك الحال بالنسبة للفكر والمعرفة: التركيز على ما ينتمي للأغصان كالأبجدية وإهمال الخلطة لا يلبث أن يُقَلِّص تعاملنا مع الحياة على صعيد الأغصان فقط مما يؤدي إلى خلخلة أسسها في الجذور. جدير بالذكر هنا أن الكلمات المؤسسية المهنية والتصنيفات الأكاديمية تنتمي للأغصان. كما جديرٌ بالذكر أيضا أن مظاهر النهضة ببلاد الشام (نهاية القرن التاسع عشر) كانت الشعر والأدب؛ أي شكّلت اللغة والثقافة ‘ساق وجذور’ تلك النهضة، ثم أضافوا ما لذّ لهم أن يضيفوه. غيّب احتلال الانكليز والفرنسيين (نهاية الحرب العالمية الأولى) ‘الساق والجذور’ وركّز على الأغصان: على ‘نهضة’ مبنية على كتب وكلمات مترجمة، حيث أصبح من الصعب التحدُّث عن أنفسنا خارج مصطلحات مهنية وتصنيفات أكاديمية إذ أصبحت عقولنا وتعابيرنا أسيرة لها وأصبحت CV مربط خيولنا. اختفت اللغة الحيّة، لغة البيان والتبيين حيث نقول ما نعنيه ونعني ما نقوله، وأصبحنا نسخا عن آخرين كقول الخديوي إسماعيل حاكم مصر (1879): ‘إن بلدي لم تعد في إفريقيا، نحن الآن أصبحنا جزءا من أوروبا’. بعد ذلك ب 17 سنة (1896)، كتب شاب مقدسي، خليل السكاكيني، كتابا بعنوان ‘الاحتذاء بحذاء الغير’ كوَصْفٍ لحالنا نتيجة ما جلبته الجاليات الغربية لبلادنا. ما زلنا نحتذي أحذية الغير؛ الفرق الوحيد أن الأحذية الحديثة أصبحت أكبر ونضعها على رؤوسنا.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل  #تعلم  #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

رقم 64: مطابخ الأفكار ومطابخ الطعام … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(3 تشرين أول / أكتوبر 2020)

إذا أردت أن تعرف حقيقة مطعم، لا تنظر إلى الأغصان أي إلى ترتيب المكان ونظافته والمأكولات التي تُقَدَّم  وحسن الخدمة وسرعة تقديمها، بل عليك الذهاب إلى المطبخ/ المنبع/ المصدر ومشاهدة ما يجري هناك. كما عليك التعرف فيما إذا كانت محتويات المأكولات مغذية أم مؤذية؛ أي تذهب إلى الجذور. كذلك الحال بالنسبة ل‘مطابخ’ الأفكار: لا تنظر إلى جمال وإخراج الكتب المقررة وأساليب التدريس ودقة التقييم وترتيب المقاعد بل إلى معرفة مصدر وتنوع معاني الكلمات (مثلا فيما إذا كانت ‘عضوية’ أي نابعة من الحياة والخبرات والأفعال ومرتبطة بسياق وتأمل واجتهاد.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل  #تعلم  #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

رقم 63: العيش وفق العافية مقابل العيش وفق الاستهلاك … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(2 تشرين أول / أكتوبر 2020)

الفكرة الأساسية ب‘مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي’ التي أنشأتُها بأوج الانتفاضة الأولى (بداية 1989) هي خَلْق أجواء تعلمية. أول ما فعلتُه كان لقاءات مع شباب والطلب منهم أن يحفظوا سجلا بكل ما صرفته العائلة مدة شهر وكم مما اشتروه إما ليس لازما أو ضارا. كانت هناك حملة ضد شراء مصنوعات إسرائيلية في الانتفاضة، وبدلا منها شراء مصنوعات فلسطينية. كنت أقول للشباب: ما تفعلونه حيث تشجعون شراء مصنوعات فلسطينية هام، لكن الأهم هو التفكُّر فيما إذا كان عملكم ينتمي للعافية أم للاستهلاك. إذا كان مصدر ما تشترونه فلسطيني لكن ضار أو غير ضروري، ما الفائدة؟ هامٌّ أن نسأل أنفسنا كم مما نصرفه ليس ضروريا أو ضارا. ما خرج منهم كإجابات كان صاعقا لي ولهم. أقل شخص من الذين شاركوا وجد أن 70% مما اشترته عائلته إما غير لازم أو ضار. قلت: إذن هنا تكمن المشكلة وهنا يكمن الحل. مدى الهدر بحياتنا هائل، مما يعني أن مهمة رئيسية لنا كأشخاص وعائلات ومجتمع هو تغيير نمط حياة حيث نستغني عما يضر أو يؤذي واستعادة ما فيه عافية. في هذه الحالة استعملنا الرياضيات المدرسية بشكل يتوافق مع التعلم والعافية.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل  #تعلم  #التعلم_قدرة_عضوية   #التعلم_خارج_المدرسة

رقم 62: مرة أخرى … غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(1 تشرين أول / أكتوبر 2020)

عام 2016 اتصلَتْ معي مجلة يهودية بأمريكا لكتابة مقال حول الاحتلال. رأيتُ أن أحكي غير ما نسمعه عادة. حكيتُ قصة ‘ألفونصو العاشر’ الذي دخل مدينة طليطلة/ توليدو (باسبانيا) عام 1252 ليطرد المسلمين واليهود منها. رأى ما لم يتوقعه: مجتمع حيّ تكتنفه العافية والحيوية والعلاقات الطيبة والتناغم بين المسيحيين والمسلمين واليهود مما دعاه يغيّر رأيه فلم يطرد أحدا وأَطْلَق على نفسه ملك الأديان الثلاثة. عُرِفَ ب‘ألفونصو الحكيم’. وفعلا، حكم 30 سنة وكتب كتبا عن الحكم بحكمة. كتبتُ في ذلك المقال: يا ليت الحركة الصهيونية (التي نشأت نتيجة اضطهاد اليهود بأوروبا) اتبعت طريق ألفونصو بدلا من بريطانيا وفرنسا اللتين لم تعرفا سوى استعمار وبطش ونهب وقتل شعوب. قبل 1948 كانت المجتمعات العربية من العراق شرقا وحتى المغرب غربا أماكن آمنة تعج بأديان ومذاهب وثقافات متعددة بما في ذلك اليهود (هذا لا يعني لم يكن هناك عنصرية ضد بعض الفئات). الفلسطينيون لم يذهبوا إلى لبنان طوعا بل طردا وعنوة؛ وتفرقنا في شتى أنحاء المعمورة، وما زال التشتت صفة رئيسية تلاحقنا. زوجتي وابنيّ الاثنين لا يستطيعوا العيش معي بفلسطين؛ متزوج منذ 53 سنة. أُعيدَتْ مسرحية الاحتلال والطرد والقتل منذ 1948 في دولٍ عربية أخرى. وقت غزو ‘بوش’ للعراق عام 2003، كان هناك 70 كنيسة في بغداد وحدها. الآن توجد الكنائس لكن أهلها شُرِّدوا حول العالم؛ بينهم الآراميون الذين قطنوا العراق منذ بداية التاريخ. نتيجة الغزو الصليبي-الصهيوني رحلوا عن العراق؛ أغلبهم اليوم بالسويد. أعود لأذكّر: يجب أن نصبّ غضبنا على الداعسين على رقبة ‘جورج فلويد’ لا على المدعوسين. هذا ما ورثتُه من دين أمي الذي لم يكن مُكَوَّنًا من أبجدية بل كان في صلب روحها وأسلوب حياتها. كان بيتُنا بيتَ ودعاء لا عظماء، وكما قال السيد المسيح: طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض؛ وهم بحق سيرثون الأرض. غزة دُمِّرَت عدة مرات خلال العشرين سنة الماضية، ومواطن البدو بصحراء النقب دُمِّرَت عشرات المرات… إلى متى؟!

شخصيا، أعمل منذ أكثر من 40 عاما على حماية المدعوس عليهم فكريا (خاصة بمجال الرياضيات) الذين يُعْطَوْنَ حول العالم شهادات رسمية من أجهزة تعليم مرخّصة بأنهم راسبون/ فاشلون/ ساقطون دون خجل ودون شعور بالذنب! كما في مجال الدين كذلك في مجال الرياضيات، كانت أمي التي لم تعرف الأبجدية هي التي نبهتني لهذا (والذي كتبتُ عنه في خواطر سابقة).

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل  #تعلم  #التعلم_قدرة_عضوية #لبنان #بيروت #البطريرك_مار_بشارة_بطرس_الراعي #التعلم_خارج_المدرسة