الخاطرة رقم 103: عودة إلى الاحتذاء بحذاء الغير… خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(6 كانون الأول/ ديسمبر 2020)

لخّص السكاكيني قبل 125 سنة العلة بالتعليم في كتاب بعنوان ’الاحتذاء بحذاء الغير‘. ما زلنا نحتذي بحذاء الغير، لكن الحذاء صار أكبر وفوق رؤوسنا، ويتحكم بشتى نواحي حياتنا. آن الأوان أن نخلع أحذية فُرِضَت علينا، لبسناها قسرا أو خبثاً، وأن نمشي حفاة لتلمس أخمص أقدامنا روح الأرض حيث يسري سحر الطبيعة في أجسادنا وينعش كل شيء فينا. ما حدث فعلا:

  1. شلحنا ثوب ’ابن سينا‘ الذي تَمثَّل مفهومُه للعلم بالطبيعة الشافية، ولبسنا حذاء ’فرانسيس بيكن‘ الذي تمثَّلَ مفهومُه للعلم بقهر الطبيعة وإخضاعها وخلخلة أسسها.
  2. شلحنا ثوب الحكمة (والذي تمثّل في بيت الحكمة ببغداد قبل 1200 سنة)، ولبسنا حذاء الحقيقة (يتمثل بشعار جامعة ’هارفارد‘). ادعاء أي طرف بأنه يملك الحقيقة الأحادية العالمية، ويملك أدوات لفرضها، هو الفيروس الأخطر على البشرية. الطرف الوحيد الذي استطاع أن يفرض حقيقته على العالم كانت القبيلة الأوروبية (أستعمل ’قبيلة‘ للتأكيد أنها ليست عالمية) عبر مستوطنات معرفية، أدواتُها التعليم الرسمي والأكاديمي، وبوجهٍ خاص عبر رياضيات وعلوم تلك القبيلة.
  3. شلحنا ثوب السيرة الذاتية، ولبسنا ال CV.
  4. شلحنا ثوب ’لغة الأم‘ (اللغة الحية) ولبسنا حذاء ’اللغة الأم‘ (لغة مصنّعة على مقاس الدولة القومية) التي تمثّل أيضا أحد أخطر الفيروسات وأكثرهم خفاء، حيث تخدعنا وتجعلنا نتغنى بها ونحتضنها وندعو لها بطول العمر!
  5. شلحنا ثوب ’البقاء للأضعف‘ (كدودة الأرض)، ولبسنا حذاء البقاء للأقوى والأصلح (حيث استبدلنا دودة الأرض بأسمدة كيماوية).
  6. شلحنا ثوب ’إعزاز التلميذ‘ ولبسنا أحذية التميز والنخبة والعالمية والنموذجية.
  7. شلحنا ثوب المشي بالجبال والوديان والينابيع والقرى (كما خبرته بمدرسة ’أبو ريا‘ تلميذ السكاكيني)، ولبسنا حذاء الجلوس على قفانا ساعات طويلة كل يوم… تصوروا لو ما زال المشي بمدارس بلاد الشام جزءًا أساسيًا من المنهاج!
  8. شلحنا ثوب التعلم كقدرة عضوية موجودة فينا منذ الولادة، ولبسنا حذاء التعليم الذي دعس على التعلم وجعله عبدًا له.
  9. شلحنا ثوب لغاتنا الحية الغنية المليئة بالحكمة والجمال وتعدد المعنى، ولبسنا فكرا أحاديا عالميا لا يسمح بالتعدد ويغيِّب كل مختلف.

بعثتُ عام 2010 (كما ذكرتُ بخاطرة سابقة) باقتراح للجامعات الفلسطينية لإنشاء كلية حكمة لعشرة طلبة فقط في جامعاتهم. لكن ظاهرة ’الاحتذاء بحذاء الغير‘ ما زالت الحاكم الأعلى فلم أسمع منهم! الشخص الوحيد الذي رأى أهمية الموضوع كانت ’نبال ثوابته‘ محررة جريدة ’الحال‘ بجامعة بيرزيت ونشرته يوم 1/ 2/ 2011. تصوروا لو بدأنا قبل 10 سنوات، لكان لدينا الآن مئات يشكلون قاعدة تنتزعنا من الموت السريري للعقول، ونبدأ بجدل ثوب الحكمة مرة أخرى!

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم   #الحكمة   #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *