الخاطرة رقم 199: خواطر جديدة مستلهمة من غزة… استعادة أفق حضاري ينطلق من غزة… الجزء الرابع … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(7 آب / أغسطس 2021)

ذكرت بخاطرة سابقة مظهر للانهيار تمثّل بالإنحدار من الحكمة (بيت الحكمة ببغداد) إلى ادعاء امتلاك الحقيقة (شعار جامعة هارفارد) والذي وصل بلادنا عبر ’دانيال بلس‘ حيث قال بخطابه يوم تدشين أول بناء بالجامعة الأمريكية ببيروت عام 1871:

‘…it will be impossible for anyone to continue with us long without knowing what we believe to be the truth’.

ليس ادعاء الحقيقة هو الخطر بل خَلْق أدوات لفرضها، وهذا ما نجحت فيه القبيلة الأورو-أمريكية. مأسسة الدين والتعليم ساهم بانهيار حضارات حيّة واستبدالها بدول قومية ذات حدود قاسية مزّقت الأنسجة في المجتمعات وبين الثقافات. اختراع أدوات للسيطرة، وطمس الحكمة والروحانيات، سَلَبَ القبيلة المناعة الذاتية فاعتمدت على قواعد عسكرية وعلى أحصنة طروادية في السيطرة على العالم. توجد حاليا أكثر من 800 قاعدة عسكرية أمريكية حول العالم، كما شكّل التعليم النظامي والتنمية أنجح الأحصنة الطروادية بيد القبيلة. عشتُ ببيتنا تخريب الدين الفطري والتعلم كقدرة عضوية اللذين تمثلا بشكل صارخ بعالم أمي التي لم تعرف الأبجدية ولا معارف مؤسسية بل تعلمت عبر أتربة حيّة حقيقية متعافية. ساعدها في ذلك أن الكنائس التي كانت لها علاقة بهم هي الارثوذكسية (حيث اليونانية كانت اللغة الرئيسية) والبروستانتية (حيث الانكليزية مرجع المعاني). أي، كانت أمي محصّنة ضد سلطة الاثنتين: المسيح الذي عرَفَتْهُ هو المسيح الفلسطيني، والرياضيات التي عرفتها (الهندسة المعقدة التي كانت تمارسها عبر خياطة ملابس للنساء) لا يمكن تعلمها عبر إقليدس وديكارت ورَسِلْ وغيرهم، بل عبر أصابعها التي كانت تربط عقلها ومخيلتها وجسم المرأة وقطعة القماش في عملٍ فنيٍّ رائع – خلطة من أتربة حيّة مغذّية. انتزعني عالمُها من حالة التخدير والوهم والعجرفة التي اكتسبتُها بمؤسسات تحكمها قيم السيطرة والفوز والكسب، وأعادني إلى علاقة حية مع الأتربة التي تغذي الإنسان. تنتزعني غزة اليوم، في صراعنا من أجل البقاء والعيش بكرامة، من حالة التخدير والوهم والعجرفة التي تشلّ البشر وتمنعنا من معرفة قَدْر أنفسنا، واستعادة الكرامة والصبر والإيمان والتعلم كجوهر الحياة، واستعادة إنسانية خارج إملاءات المدنية المهيمنة. شفاني عالم أمي من كوني جنديا كولونياليا سلاحي الرياضيات، وغذاني من أتربة حية متعافية. أول مقال كتبتُه حول الدين ونُشِرَ بكتاب القس ’نعيم عتيق‘ Faith and the Intifada, Orbis Books (1992)  

 وأول مقال كتبته عن رياضيات أمي نُشِر في Harvard Educational Review (Feb 1990)

في أيار 2021 عمّقت غزة انتزاعي من أمراض وأوهام وخرافات القبيلة الأورو-أمريكية وفتحت أبوابا ونوافذ كانت مخفية، امتدّت لتحتضن أفقنا الحضاري المغيّب.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم  #mujaawarah # تنمية_مستدامة   #الحكمة  #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *