خاطرة… استعادة الأفق الحضاري (الجزء الرابع والأخير) مخاضات تنبئ بولادة جنين من رحم حضارات

تعيش منطقتنا مخاضات على أصعدة شتى تنبئ بولادة جنين من رحم حضارات عملت القبيلة الأورو-أمريكية عبر عقود على تمزيقها وتخريبها وتسميمها وانهيارها. نعيش مخاضات بإمكانها إعادة توليد حضارات طُمِسَت، لتَخْرُج كزهرة اللوتس من بين أوساخٍ وملوِّثات أغرقنا بها عصر التنوير بأدواته التي تمثلت بمفاهيم ونظريات وأوهام وخرافات نشرتها مؤسسات وخبراء تحكمهم قيم السيطرة والفوز والنهب وإقناع البشر بأن الماضي متخلف وولى زمانه – والذي يتمثل بأن شرب الماء ولى زمانه وتخلُّفٌ بالنسبة لشرب الكولا، وأن الحكمة ولى زمانها ومتخلفة بالنسبة لعلوم القبيلة الأورو-أمريكية، وأن التعلم ولى زمانه ومتخلف بالنسبة للتعليم النظامي والأكاديمي، وأن الكرامة ولى زمانها ومتخلفة عن المطالبة بحقوق، وأن العافية ولى زمانها ومتخلفة بالنسبة للتنمية التي بشّر بها الإرهابي الأكبر عبر التاريخ ’ترومان‘ الذي أمر بإلقاء القنبلتين على هيروشيما ونكازاكي دون أن يرجف له جفن. مقابل كل هذا أقترح ’البيان والتبيين‘ [عنوان كتاب الجاحظ قبل 1200 سنة] بمثابة القابلة/ الداية التي ترعى مخاض وولادة الجنين الذي يطلُّ برأسه من رحم حضارات. ضروري أن يعود البعد الحضاري (وجوهره الحكمة) النابع من الأتربة التي تغذينا ونغذيها كرؤية نستهدي بها في فكرنا وإدراكنا ومسعانا وبياننا وأفعالنا. الفترة التي نمر فيها بمنطقتنا مهيأة لاستعادة الأفق الحضاري. كورونا فضحت (كما لم يستطع أحد أن يفعل ذلك بنفس القوة) ضحالةَ وضيقَ أفق عصر التنوير وادعاءاته التي تفتقر للحياة والقلب والروح والحكمة والعافية وتعدد المعنى؛ فضيحة يمكن أن تسهم باستعادة ما غُيِّب. إلى جانب كورونا، فضح ترامب جوهر القبيلة الأورو-أمريكية. همجية الأيديولوجية التي سادت عبر قرون تظهر بوضوح حاليا كما لم يكن ممكنا سابقا.