رقم 56: عالم أمي … جزء ١: التحرر من خرافة أن رياضيات المدارس والجامعات عالمية … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(25 أيلول/ سبتمبر 2020)

أكثر حدث بحياتي تجسَّد فيه التعلم كقدرة موجودة فينا بالخليقة (كالتنفس والهضم) كان وعيي عام 1976 (حين كنت بِقِمَّة عملي كأستاذ رياضيات بجامعتين وموجها مركزيا للرياضيات بالمدارس الفلسطينية) أن أمي التي لم تعرف أبجدية ولا أرقام كانت تمارس رياضيات لا أستطيع فهمها ولا عمل مثلها! عشت 35 سنة قبل أن ألاحظ أن ما كانت تفعله هو رياضيات رغم أني كنت أشاهدها يوميا أمام عينيّ! وعيي ذاك كان بمثابة زلزال بركاني على صعيد المعرفة والإدراك:زلزال لأنه خلخل قناعات ومعارف اكتسبتُها بجامعات، وبركان لأنه أَخْرَج حُمَمًا غنية كانت مغمورة تحت السطح. عندما تمعَّنْتُ فيما كانت تفعله، ذُهِلْت: كانت تتعامل عبر عَمَلِ ملابس للنساء مع أعقد أنواع الهندسة: أجسام النساء! تعامَلَتْ مع تلك الهندسة على مدى 50 عاما دون الحاجة لعلبة أدوات هندسية مدرسية (المتطلبة بالمدارس) ودون الحاجة لإقليدس وهندسته، ولا لديكارت وهندسته التحليلية، ولا للهندسة الفراغية، ولا لمنطق أرسطو و‘برتراند راسل’، رغم أنهم أوهمونا بالمدارس والجامعات أننا بحاجة لكل ذلك وأولئك. كل ما احتاجت له هو ‘متر’ أو شريط قياس. تساءلتُ: كيف كَوَّنَتْ معرفتها دون تدريس ومنهاج ونظريات وتقييم، ومارست رياضيات لا يستطيع أيٌّ من أباطرة الرياضيات فِعْلَه؟! السبب هو نفسه الذي يتقن فيه كل طفل لغة أهله بسن 3 أو 4 سنوات دون الحاجة لأيٍّ مما ذكرتُه: التعلُّم قدرة مقدسة موجودة فينا بالخليقة. لهذا أقترح فكّ الارتباط بين التعلم والتعليم، وتحرير التعلم من ‘شرطة’ معرفة يضغطون على العقول حيث لا تستطيع التنفس. لنستعمل ‘اكتساب’ بدل ‘تعلم’ لما ينتج عن تعليم نظامي. معرفة أمي لم تتكون من نظرية وتطبيق بل من خلطة ضمّت أصابعها وعينيها ومخيلتها وقطعة القماش وجسم المرأة؛ معرفة تختلف عن interdisciplinary فأمي لم تجمع بين disciplines بل كان ذكاؤها يكمن بأصابعها التي نسجت بين المكونات الأخرى. فَهِمَت الرياضيات بالجذور حيث ما احتاجت له كان متوفرا لديها. كانت تأتي امرأة صباحا بقطعة قماش، وتُخْبِر أمي عن الملبس الذي تريده. عند الظهر تصبح القطعة 20 إلى 30 قطعة متناثرة، موقع كل قطعة في الملبس واضح بمخيلة أمي. في اليوم التالي أو الذي يليه تلملم أمي القطع بكلٍّ جديد ينطبق على جسم المرأة عبر علاقة أفقية فيها وُدٌّ واحترام، وليس عبر لجنة تقيّم الملبس. عملُها فنٌّ حيّ نراه على جسدٍ حيّ.

 #Munir_fasheh  # منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر  #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم #التعلم_قدرة_عضوية   #التعلم_خارج_المدرسة