الخاطرة رقم 179: حول ما يحدث في فلسطين… مرة أخرى: الأهالي هم الأمل والحل … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(16 أيار / مايو 2021)

قبل 9 أشهر (13 آب/ أغسطس 2020) كتبتُ ما أود إعادته هنا لعلاقته بما يحدث الآن في شتى أنحاء فلسطين:مدير مؤسسة ‘المينونايت’ الكنديّة بالقدس (بعزِّ الانتفاضة الأولى 1989) استمع لي بأحد اللقاءات وسألني عن مصدر الأمل الذي شعر فيه بكلامي. قلت (بالانكليزية إذ لا يعرف العربية):My hope stems from the fact that people are incredible and unpredictable…بالعربية ’مصدر الأمل لديّ يكمن في أن الناس لا يمكن أن نتنبأ أو نصدّق مسبقًا ما يمكن أن يفعلوه عفويا وتلقائيا وبدافع ذاتي‘. صَمَتَ ثم قال: ’لن أنسى ما قلتَه ما حييت‘. كتبتُ لاحقًا مقالا بعنوان ’الأهالي هم الأمل والحل‘. كنت من بين أول اللاجئين في المنطقة (كان عمري 7 سنوات عام 1948 حين هُجِّرنا مع مئات الألوف من بيوتنا). ما نشهده بفلسطين من الصعب على معظم الناس أن يتنبأوا به أو يصدّقوا أنه ممكن. صعبٌ جدّا أن نصدّق أن أضعف حلقة بالعالم العربي (غزة) تمثّل مصدر الأمل والحلّ. ما يحدث يذكّرنا بالقوة الهائلة الموجودة فينا بالخليقة كبشر. جديرٌ بالذكر أنه لا يوجد رديف ل’أهالي‘ بالانكليزية، وأن ’مواطنين‘ احتلت محلها – وشتان بين الكلمتين!أول مرة رأيتُ فيها علامات الهَرَم لدى إسرائيل كانت بالانتفاضة الأولى (حين كان عمر إسرائيل 50 سنة). ما أنقذها عندئذ اتفاقات أوسلو. يتمثّل السبب لهذا الهرم (كما أرى الأمور) في أن الحركة الصهيونية بَنَتْ قوّتها على أيديولوجية ميتافيزيقية خارجية استمدتها من القبيلة الأورو-أمريكية، وليس من تربة محلية حقيقية. عشتُ عبر ثمانية عقود فترات أظهرت لي أن الأهالي هم الأمل والحل كان أهمّها عقد السبعينيات من القرن الماضي وثم الانتفاضة الأولى. ما يحدث حاليا يمثل الفترة الثالثة الصارخة التي تُنبئ بأمل أكبر مما عشته في أي فترة سابقة. أكثر فترة شعرتُ فيها أن الناس فقدوا الأمل كانت بعد 1993 حين أصبح البنك الدولي الحاكم الفعلي للشعب الفلسطيني بالضفة الغربية. إذ لم يستطع سوى البنك إيقاف روح الانتفاضة الأولى التي قال عنها تشومسكي (بلقاءٍ بفندق الأمبسادور بالقدس عام 1988) بأنه لا مثيل لها بالتاريخ. ما يزيد الأسى أن التعليم المدرسي والأكاديمي يغطان في سبات عميق وغيبوبة عميقة (ليس فقط بفلسطين بل حول العالم) حيث لم يستطيعا الخروج (حتى في عصر كورونا) من حَجْرِ عقول الطلبة بأقفاص كتبٍ مقررة. آمل أن تسهم الأحداث في فلسطين بتحريرنا ليس فقط من الاحتلال العسكري والسياسي والاقتصادي بل أيضا من احتلال عقولنا؛ احتلالٌ بدأ ببلاد الشام قبل 150 سنة حيث نلهث لنكون نسخا وببغاوات للقبيلة الأورو-أمريكية.أرى بوادر عهدٍ جديد-قديم يتبلور في أنحاء العالم قوامُه الأهالي، والذي يتمثّل بكوبا والزباتيين بجنوب المكسيك واليمن وغزة.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم  #mujaawarah # تنمية_مستدامة   #الحكمة  #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

الخاطرة رقم 178: فلسطين الأصالة وفلسطين الوهم … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(14 أيار / مايو 2021)

كيف نوقف عملية انتزاع فلسطين الأصالة منا، واستعادتها بأفقها الحضاري الغني والمتنوع؟ تتلاقى في فلسطين أنسجة حضارية وجغرافية ودينية متنوعة ومتعددة، وتقع وسط الأمة العربية التي تضم عوالم عدة مما يجعل التعبير الأدق والأصدق من “الهوية الفلسطينية” هو “التعددية الفلسطينية” ذات الأفق الحضاري. لا توجد مدينة سوى القدس يصبو أكثر من نصف سكان الأرض الحج إليها. لا يمكن تفسير إهمال هذه الأمور سوى أن حدود إدراكنا هي فلسطين الوهم.كان عام 1993 فاصلا بين فلسطين الأصالة وفلسطين الوهم، بين فلسطين الحضارة وفلسطين التنمية، بين فلسطين الأهالي وفلسطين المواطنين. قبل ذلك العام، في فلسطين الأصالة والحضارة والأهالي، كان العالم يأتي إلينا ليتعلم بشكلٍ تبادلي ويتعامل معنا ضمن علاقة أفقية، لا فوقية ولا دونية. كان الناس من كل مكان يأتون ليتعرفوا على معانٍ للمقاومة ونمط مختلف في العيش؛ ليتعرفوا علينا كمصدر معرفة وعمل جماعي إبداعي على عدة مستويات. بعد 1993، في فلسطين الوهم والتنمية والمواطنين، تأتي المنظمات الدولية لتساعدنا من موقع استكبار ضمن علاقة تنطوي على احتقار؛ تأتي بشروط مهينة وتغرينا بفتاتاتٍ وتُرْهِبُنا بقَطْعِها عنا إذا لم نفعل ما تأمرنا به. في فلسطين الأصالة كانت الكرامة أهم ما يميزنا؛ في فلسطين الوهم أصبحت المطالبة بالحقوق من الظالم والاستجداء هو ما يميزنا. في فلسطين الأصالة كان الأمل مصدر حيويتنا؛ في فلسطين الوهم أصبحت التوقعات مصدر إحباطنا. في فلسطين الحضارة كانت العلاقة المقدسة هي التي بين الأهالي؛ في فلسطين الوهم العلاقة الرئيسية هي بين مواطنين وحكومة ومؤسسات. في فلسطين الحضارة لم يكن لنا صوت في الأمم المتحدة، لكن صوت فلسطين كان يدوّي في أرجاء العالم. بعد الحرب العالمية الأولى فرض العالم علينا انتداب بريطانيا؛ اليوم، نستجدي انتداب الناتو علينا، ونقنع أنفسنا بأنه لا يمكن العيش بما لدينا. خلال عقد السبعينيات والانتفاضة الأولى برزت فلسطين الأصالة والحضارة والأهالي بشكل أدهشنا وأبهر العالم. الفرق الجوهري بين ’أهالي‘ و’مواطنين‘ هو أن العلاقة الرئيسية في مجتمعات الأهالي هي بعضهم مع بعض ومع مكان وتاريخ وحضارة وطبيعة وذاكرة جمعية، بينما العلاقة الرئيسية في مجتمعات المواطنين هي مع دولة ومؤسسات. من هنا، ولاء الأهالي بالدرجة الأولى هو لبعضهم البعض بينما ولاء المواطنين هو لدولة ومؤسسات. في مجتمع المواطنين، يختفي ’الإنسان الصالح‘ (الذي يطيع ضميره ويرفض القيام بأي عمل يلحق ضررا بآخرين أو بالطبيعة مهما كانت المغريات) ويبرز مكانه ’المواطن الصالح‘ الذي يطيع أوامر الدولة والمؤسسات طاعة عمياء. الأمريكي الذي يذهب إلى العراق ليقتل ويدمر دون أن يسأل لماذا، هو مواطن صالح لكنه ليس إنسانا صالحا. استبدال “أهالي” ب”مواطنين” (أو استعمال مواطنين كرديف لأهالي) هو مثال على احتلالٍ إدراكي معرفي. هو ليس استبدال كلمة بأخرى، بل استبدال علاقة غنية ذات جذور قوية بعلاقة ضحلة واهية. يمكن أن يصبح سكان منطقة مواطنين بين ليلة وضحاها (نتيجة إعلان دولة مثلا) بينما يحتاج تكوّن الأهالي إلى مئات السنين. يمكن منح أو إلغاء المواطنة بقرار لكن لا يمكن ذلك مع الأهالي. استطاعت إسرائيل مثلا تجريد كثيرين من أن يكونوا مواطنين في أي دولة، لكن لم تستطع إلغاءنا كأهالي، مما يفسّر سرّ بقائنا واستمرارنا ضمن ظروف قاسية وممزِّقة إلى أبعد الحدود. الأهالي، مثل بذور الخضرة البلدية، يولّدون ذاتهم عبر آلاف السنين. البذور التي تصنّعها شركة مونسانتو غير قادرة على توليد ذاتها. فلسطين الأصالة تولّد ذاتها بينما فلسطين الوهم لا تستطيع العيش إذا انقطع مصدر وجودها الخارجي.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم  #mujaawarah # تنمية_مستدامة   #الحكمة  #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة