رقم 2: التعلم عن قُرب … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(2 آب/ أغسطس) 2020

عشتُ يوم الثلاثاء 28/ 7 بمدينة ’السلط ‘ مع ما يقارب من 20 طفلا وطفلة بعمر 5  و  6 سنوات خبرة أستطيع أن أصفها (في عالمٍ مهووس بالتعلم عن بعد) ’بالتعلم عن قرب‘ – بالقرب من كل ما هو حول الشخص/ الأشخاص: القرب من الذات أولا، ومن الطبيعة والمجتمع والثقافة والتقاليد التي فيها عافية. بدَأَت القصة مع ’مبادرة ذكرى‘. ذهبت ’لمى الخطيب‘ و’ربيع زريقات‘ ببداية موسم بذر بذور القمح إلى مدينة ’السلط‘ وفتشوا عن أرض يسمح صاحبها لهم بزراعتها قمحا. وجدوا الأرض ووجدوا من لديه حبوب بلدية وبذروا الحبوب. بسبب كورونا لم يستطيعوا زيارة الأرض وينظفوها من أشواك وغيرها. عندما زاروا المكان بعد فك الحجر بُهِروا بما رأوه: حقل مليء بالسنابل وعندما بدؤوا بالحصاد تطوع العديد من الجيران ومناطق أخرى بالعمل. جلب ربيع ولمى (إلى لقاء ’السلط‘ سنابل وطحين (من منتوج الأرض) وبدأ ربيع يسأل مَنْ مِنَ الأطفال أهاليهم ما زالوا يزرعون القمح. وضع ربيع سنابل على الأرض وبدأ يخبط برجله على السنابل ودعا الأطفال أن يفعلوا نفس الشيء كما هي العادة لفصل الحب عن القشور. بدأ خبيط أرجل الأطفال على الأرض يُخْرِجُ نوعا من نمط في الأصوات مع حركة متناغمة بأجسام الأطفال مما دعا ربيع أن يذكر لهم كيف أن مثل هذا الخبط أكيد ساهم في أن تصبح الدبكة جزءا من الحصاد. ثم حمل نايًا صنعها بيديه وبدأت أنغام جميلة تخرج وبدأ الأطفال يصفقون وفق النغم. إحدى المشرفات بالروضة عجنت الطحين وأعطت كل طفل كرة صغيرة منها على صحن. اندماج الأطفال بالعجينة بين أصابعهم حيث شكّل كلٌّ منهم ما يحلو له كان أكثر ما ألهمهم. هذا هو التعلم الحقيقي الذي لا يحتاج إلى تدريس ولا يوجد ’شرطي معرفة‘ فوق رؤوسهم يصححهم باستمرار. أود أن أعيد ما قلته: تلك الخلطة فجأة ألهمتني بأن أصف ما شاهدته ب’التعلم عن قرب‘: القرب مع الذات والطبيعة والأصابع والعجين ومع الثقافة الحيّة. لا شك أنهم لأول مرة شعروا أن ’اللعب‘ مع الطبيعة والثقافة والعجين يختلف جذريا عن ألعاب بلاستيكية وكمبيوتر. في هكذا جو، الأبجدية ونظريات تتعلق بالطفولة المبكرة تشكل عوائق وملهيات. تصوروا لو كان هناك ‘تعلم عن قرب’ إلى جانب ‘تعليم عن بعد’ خلال فترة الحجر! لا أتكلم عن الأطفال فقط بل أيضا عمن هم أكبر سنّا بما في ذلك الجامعات: قرب من الطبيعة ومن أصابعهم ومن ثقافةٍ تغذيهم… هذه فرصة نادرة لمعرفة الذات ليس عبر CV بل عبر اندماج بالحياة وتأمّل فيها واجتهاد في غور كنهها؛ فرصة لقراءة كتب بيان وتبيين وليس فقط كتب مقررة وأكاديمية. تصوروا بوجه خاص لو كان موضوع الصفوف الستة الأولى هو الطبيعة الشافية، والتي تدخل فيها بطبيعة الحال مواد مدرسية بشكل طبيعي لا منفصل. جدير بالذكر في هذا المجال أن أهم معرفة بالوقت الحاضر هي معرفة مصدر ومحتوى ما يدخل المعدة والعقل والقلب والعلاقات. التركيز على الطبيعة الشافية تشفيهم من سموم التقييم العمودي والمنافسة المُمَزِّقة وعنجهية التميز التي جميعا تشكل مصادر أمراض نفسية واجتماعية وإدراكية. كذلك، عشنا جميعا روح الضيافة كجادلٍ للنسيج على مستويات عدة والتي تشكل أهم مكونات العافية في أي مجتمع. لا يمكن للحياة أن تستقيم دون استعادة روح الضيافة في شتى نواحي الحياة.

كل ما هو جميل بالطبيعة وبمجتمعاتنا وثقافتنا عاد حيًّا منعشًا أسْعَدَنا جميعُنا خلال الساعات التي قضيناها معا بمدينة ’السلط‘.

#منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *