عدة تحوُّلات حدثت في الجذور بفلسطين عام 93/ 1994 كانت وبالا علينا، عشتُها كليا: تَحَوَّلْنا بين ليلة وضحاها من أهالي لمواطنين؛ وتحوَّلْنا من العيش بأمل للعيش بتوقعات؛ وتحوَّلْنا من احتلال عسكري بالأساس إلى احتلال بنوك كأساس إذ أصبح البنكُ الدولي منذ تلك السنة وحتى وقتنا هذا الحاكمَ الفعلي لشتى نواحي حياتنا، والذي ركّزَ على دعم ثلاثة أجهزة: جهاز أمن ’وطني‘ لضبط سلوك الناس؛ جهاز تعليم ’وطني‘ (مدرسي وجامعي) لضبط ألسنة وعقول الناس؛ وجهاز مالي عبر بنوك ’وطنية‘ لضمان امتلاك المستقبل. في تلك السنة، تمَّ تحويلُنا من فاعلين إلى مستهلكين بالأساس، ومن حُكْمِ أنفسنا وحياتنا عبر مجاورات (كلجان الأحياء) إلى محكومين عبر أجهزة رسمية ومؤسسات، ومن روح الضيافة إلى قانون المنافسة حول رموز تمزِّق الإنسان والمجتمع. قبل 1993 كنا نعيش كأهالي حيث العلاقات بيننا جوهر حياتنا، وحيث الأمل وروح الضيافة أساسيان في حياتنا. بعد 1993 احتلّت العلاقة مع مؤسسات ومهنيين مرخّصين محلّ علاقاتٍ حيّة متعافية بالجذور. فَقَدْنا روحًا كانت تغذينا وبدأنا نعيش وفق علاقات لا حياة فيها. عشنا قبل 1993 الانتفاضة الأولى التي وصفها تشومسكي في محاضرة بفندق الامبسادور بالقدس عام 1988: There is nothing like it in history؛ عشنا خلالها 4 سنوات ضمن مجاورات (لا ضمن مؤسسات)؛ عشنا وفق حكم الذات حيث كانت لجان تتكوّن بفعلٍ ذاتي تدير شؤون الحياة بالأحياء: زراعة جمعية وتعلم جماعي، وعناية بكبار السن واستضافة الغريب في حالات الخطر وتعميق جدلْ أنسجة بين الناس. ما أرعب إسرائيل في تلك الظاهرة كان الوسيط: إدارة الأهالي لشؤونهم دون مؤسسات. كنت أعمل بجامعة بيرزيت ببداية الانتفاضة. أَغلقَت إسرائيل المؤسسات التعليمية والاجتماعية والثقافية. حاولتُ مع بعض الأساتذة السير وفق رؤية مختلفة حول التعلُّم إذ كانت الظروف مواتية لذلك، لكن مجلس الجامعة رَفَض. استقلتُ وأُنشأتُ مؤسسة تامر عام 1989 في ’شعفاط‘؛ اضطُرِرنا للانتقال إلى رام الله عام 1993 حين أصبح من الصعب الوصول لشعفاط. أهم ما فعلناه بتامر كان حملة القراءة والتعبير التي أعادت جدْل أنسجة لأول مرة منذ 1948 بين الفلسطينيين من عكا شمالا حتى رفح جنوبا. [نشرتُ مقالين حول مؤسسة تامر وحملة القراءة: 1990 ثم عام 1995 كلاهما بمجلة Harvard Educational Review]. باختصار، كانت الأدوات التي استعملناها في تلك الفترة ذا بُعْد حضاري، بالجذور. أعادَنا اتفاق ’أوسلو‘ إلى البقاء بين الأغصان.