كلمتان تجسّدان عالمين مختلفين جذريا، رغم أنهما في الإدراك العام وفي أذهان الناس ترتبطان كأنهما تشيران إلى نفس الشيء. توجد مثلا وزارة صحة وكليات صحة لكن لا توجد وزارة عافية ولا كليات عافية. العافية ترتبط بالعيش بحكمة، بنمط حياة الشخص وبمسؤولية على الصعيد الشخصي والجمعي (عبر المجاورة كوسيط). الصحة، بالمقابل، ترتبط بمؤسسات ومهنيين. تنطلق العافية من القناعة بأن الشفاء قدرة بيولوجية كل ما تحتاجه هو حماية وتقوية المناعة الذاتية لدينا كأشخاص مما يجعلها قضية جوهرية للتحادث حولها بلقائنا في فبراير. الخلل في عافية شخص تتطلب أحيانا إلى اللجوء لمهني.إلى جانب الشفاء على صعيد الجسم، هناك ضرورة (ربما تكون أهم وأعمق) للشفاء على صعيد الفكر. أقول ‘أهم وأعمق’ لأن تخريب العقول تمّ – بالتصميم – قبل تخريب الأجسام بقرون لكنه تخريبٌ خفيّ.
العافية تتطلب الاهتمام بنواحٍ شتى في الحياة: عافية الجسم وعافية العقل وعافية المجتمع وعافية الطبيعة. لذا، جزء هام من أحاديثنا في فبراير يتعلق بما يدخل الجسم من مأكولات وما يدخل العقل من أفكار وما يدخل القلب من مشاعر وما يدخل المجتمع والطبيعة من سموم. تركيزنا في فبراير سيكون حول ما يخرّب الجسم والعقل وكيف نستعيد عافيتنا في الناحيتين.
هناك قولٌ لجلال الدين الرومي: “ربما تبحث بين الأغصان عما يظهر فقط في الجذور”. العافية والتعلم ينتميان إلى الجذور؛ الصحة والدراسة تنتميان إلى الأغصان. العالمان مختلفان جذريا لكن يكمّل بعضهما بعضا. العافية تتطلب معرفة الذات؛ الصحة تتطلب معارف تقنية.
الأداة الرئيسية في استعادة عافيتنا على شتى الأصعدة هي المجاورة. شكلت هذه الأداة الوسيلة الرئيسية في حياتي منذ 1971 – رغم أني لم أستعمل كلمة ‘مجاورة’ قبل عام 2004 والتي سمعتها لأول مرة من الفنان المصري العظيم ‘محيي الدين اللباد’ في لقاء لنا معه عام 2002 ونظمنا معه مجاورة في مرسمه شارك فيه 9 فنانين من عدة دول عربية. تشكّل المجاورة المحور الرئيسي في لقائنا في مصر.
باختصار شديد، ما نسعى له في لقاء فبراير على طريق العافية هو العيش بحكمة عبر معرفة الذات كأساس والمجاورة كوسيط للتعلم والفعل المجتمعي.