(7 آب/ أغسطس 2020)
لغتان لا واحدة الجزء الثاني
كما ذكرتُ في الخاطرة السابقة، عشتُ لغتين: لغة لا تحتاج إلى تدريس، نتعلمها كأطفال كقدرة عضوية، لغة الحياة والتحادث والأهل والحي، كما نتعلمها عبر كتبٍ هي بيان يبيّن ما يختلج وينضج بالعقول والصدور وتشمل حكايات وأدب. أما اللغة الأخرى التي عشتها فتحتاج إلى تدريس وسيطرة وخداع وإلهاء وتقييم، لا تكوّن صورا بالذهن ولا فَهْمًا بالفكر، لغة الكتب المقررة أكبر مثال لها. بعبارة أخرى، عشت لغة مؤسسية ولغة حيّة؛ لغة مؤذية مشوّهة ملهية ترتبط بسلطة وسيطرة وفوز ومراكز قوة، ولغة مغذية للعقل والقلب والروح والعلاقات وترتبط بالعيش بحكمة وعافية. اللغة الأولى تنتمي للأغصان بينما الثانية للجذور. أمثلة أخرى: التعليم ينتمي للأغصان، التعلم ينتمي للجذور؛ مواطنون للأغصان، أهالي للجذور؛ العلوم للأغصان، الحكمة للجذور؛ المحاورة للأغصان، المجاورة للجذور؛ بحث كرديف research للأغصان، بحث كرديف search للجذور؛ منهجية ودراسات للأغصان، تأمل واجتهاد للجذور؛ اللغة الأم للأغصان، لغة الأم للجذور؛ الملاهي للأغصان، اللعب للجذور. لا يعني أن يقبل القارئ ما أقوله هنا بل عليه أن يتفكر ويتأمل بحياته ويكوّن إدراكه وفق ذلك.
عشت العقود الثلاثة الأولى من حياتي دون أن أنتبه أني أعيش لغتين. بدأ تحرري من ذلك الوهم نتيجة حرب 1967. عام 1971 بدأ تحرري من اللغة المصنعة وعودتي للغة النابعة من الحياة والتأمل والاجتهاد؛ عودة كان أول مظهر لانتزاعي من الاحتلال المعرفي عبر تكويني مع بعض الأصدقاء حركة العمل التطوعي بالضفة الغربية التي استمرت على مدى عشر سنوات، استعدتُ عبرها دور الأرجل والأيدي والأصابع في التعلم والتعرف على مجتمعات ذات جذور بالحياة، حيث كنا كل يوم جمعة وأحد نمشي إلى قرية أو مخيم أو حي في مدينة ونعمل مع الأهالي.
#منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة