(15 آب/ أغسطس 2020)
تعلُّم خارج تربة ثقافية وتربة أرضية هو كطَيْر بلا جناحين. التعلم الوحيد الذي لا يرتبط بالضرورة بهاتين التربتين هو اكتساب معلومات ومهارات آلية ومعارف تقنية؛ اكتسابٌ يبقى بين الأغصان بأفضل الأحوال. لا أعني بالتربة الثقافية كسلع لها سعر بسوق الاستهلاك، بل ما يُدْخِل البهجة بالفكر والقلب والروح والوجدان والعلاقات. هذا ما فعله السود بأمريكا على مدى مائتي سنة من العبودية؛ كان ملاذهم وسر بقائهم وحيويتهم، حيث كانوا عندما يجتمعوا (بالبيوت والشوارع والكنائس) يحتفلوا بعضُهم مع بعض، ويغنوا ويأكلوا ويضحكوا ويلعبوا مع أطفالهم. وجودهم مع بعض كان مصدر عافيتهم وقدرتهم على الاستمرار رغم الاضطهاد الشنيع الذي يعيشوه يوميا. وأعني بالتربة الأرضية ما يغذي عافية الجسم. تصوروا لو بدلا من زجّ أنوف الطلبة في مواعين الكتب المقررة (المسمّى بالتعليم عن بعد) تحولت الأشهر الخمسة الفائتة إلى مجاورات فنية أدبية ثقافية معرفية روحية وجدانية زراعية؛ لو حدث هذا على الصعيد العربي بثقافاته المتنوعة الحيّة لأضافَ أبعادا غيّبَتْها المستوطنات المعرفية (مدارس وجامعات تحكمها قيم الفوز والسيطرة)، ولكانت المنطقة اليوم تعجّ بحيوية وأمل ولانتعشت العقول والقلوب والعلاقات والروح والوجدان. ما يشار له ببعض المدارس بفن وثقافة هي عادة بمثابة مهارات ومواضيع وليس تربة. التربة الثقافية تنشأ في تفاعل الناس بعضهم مع بعض ومع الطبيعة والحضارة بكل تنوعها. ما يعيق هذا الأمر أننا عبر مئة سنة على الأقل كنا ببغاوات نعيد ما يأتينا ’معلّبا ‘بكتب مقررة وأكاديمية تَرَكَّز سعيُنا فيها أن نكون نسخا واهية عن أصلٍ مخرِّب. لماذا نسمح لآخرين أن يعرّفونا؟ أسوأ ما يمكن أن يحدث لشخص أن يقبل بأن يُعَرَّف من مهنيين ومؤسسات ومقاييس. بقاؤنا يتطلّب انتزاع أنفسنا من الميوعة المعرفية واستعادة مقوماتنا وما فيه وفرة. كل مجتمع بدون استثناء له مقوماته وما يحتاجه. أي إضافات بعد ذلك، فليكن. تصوروا لو ملايين احتضنوا التربتين كغذاء ضمن مجاورات مكونة من مريدين ومرادين! هذا ما بدأنا به ب52 مركز بمؤسسة جُهُد بالأردن قبل الجائحة على مدى سنة ونصف. الثقافة والطبيعة الشافية هما مقوماتنا الأساسية – والباقي إضافة ضروري أن نستعملها بحكمة.
#منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة #تعلم #التعلم_قدرة_عضوية