(28 آب/ أغسطس 2020)
لم يعد الوضع يتحمل الميوعة والترهُّل والكسل على صعيد الذهن والجسد والإدراك والتعبير حيث نستهلك ونعيد كالببغاء ما يأتينا جاهزا معلبا من مصانع معرفة ومأكولات وترفيه وتواصل. يكمن التحدي الرئيسي باستعادة الفَلاحَ والفِلاحَة والثقافة الحيّة وحكم ذاتنا بالنسبة لما يدخل أمعدتنا وعقولنا وقلوبنا وعلاقاتنا وإدراكنا وروحنا. يرتبط هذا التحدي بممارسة مسؤوليتنا لحمايتنا مما يمزقنا ويخرّب داخلنا وحولنا. يتطلب هذا بالضرورة انتزاع أنفسنا، قدر الإمكان، مما هو جاهز على شتى الأصعدة. ذكرتُ في أكثر من خاطرة أن المستنقع الذي غطسنا فيه منذ أكثر من مائة عام تمثَّل بإلهائنا بما هو بين الأغصان ونسيان ما بالجذور بما في ذلك إيهامنا بأن القبيلة الغربية هي الطريق والحل. قبل احتلال الفرنسيين والانكليز لبلاد الشام (1917) تمثَّلَت النهضة بأدب وفكر مرتبطين بالحضارة والثقافات المتعددة لدينا. كتاب ‘أحمد فارس الشدياق’ “الساق على الساق” (عام 1855) عن سيرة حياته مثالٌ رائع لأدبٍ جامعٍ لمكونات الحياة نفتقر لمثله حاليا. كذلك بالنسبة للكثير من أدباء وشعراء القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بالمنطقة. ثم جاء التعليم المدرسي والأكاديمي (وبعده التنمية) وأقنعونا بأننا متخلفين مما أدى إلى قبول كل ما يُقدَّم إلينا. الكتب المقررة غيّبت كتبا فيها بيان وتبيين. كلمة خدمة ومساعدة كانتا الفيروس الذي خدعنا، إذ سلبتا مقوماتنا وما نستطيع فِعْلَه بأنفسنا، ابتداء بالفكر حيث تمّ حجرُنا بصفوفٍ ساعات يوميا على مدى سنوات. لم يكن الحجر كما هو الآن للجسد فقط بل أيضا للعقل والقلب والروح حيث ابتعَدْنا عن الطبيعة الشافية والثقافات الحية. العالم على مفترق طرق مرعب بشكل غير مسبوق: إما دمار شامل أو استعادة الحكمة في الحياة. ما يحدث حول العالم يتطلب جرأة وجدّية لدى البشر لتفادي كارثة تشمل البشرية. نعيش واقعًا مرعبًا بينما يتم حجر العقول عبر التعليم عن بُعْد حيث يصبح إنهاء المناهج الشغل الشاغل للمدارس والجامعات! عندما يعني التعلُّم إنهاء المنهاج، قُلْ على الناس السلام. نتعامل مع المنهاج بمثابة إله نعبده ونسير وفق إملاءاته مهما كانت الظروف آمين! كأننا بالتعليم نعيش على كوكب لا علاقة له بما يجري على الأرض. كوكبنا جاهز للانفجار بينما نستمر بكلمات دعاية كتميُّز وجودة التعليم والحق في التعليم وإنجازات وهمية لا علاقة لها بالحياة تتنافس مؤسسات التعليم لتكون الأولى في السباق على طريق الاستهلاك. آن الأوان أن نصحو، ونشفى من الفكر الأحادي العالمي الذي هو، لا الأديان، مصدر الأصولية الحديثة المهيمنة. ماذا يمكن أن نفعل؟ هذا ما يجب أن يكون همّنا الأكبر ومضمون أحاديثنا وأفعالنا.
#منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة #العيش_بأمل #تعلم #التعلم_قدرة_عضوية