(3 أيلول/ سبتمبر 2020)
قبل حوالي مائة سنة، كان والدي بالصف الرابع بمدرسة الفرير بالقدس. في يوم، كان مشغولا بالدُرج أمامه. صاح به المدرّس ‘وقِّف يا حمار’. وقف أبي وقال: ‘حاضر يا تور’. صاح المدرس: ‘ماذا قلت؟’ ردّ أبي: ‘إذا كنت حمار، مدرّسي بكون تور’. حمل المدرّس العصا وسار نحو أبي. كان درج أبي قرب الباب؛ خرج ولم يعد. عمل بأشغال عدة، وانتهى بعملين رئيسيين: سائق تكسي وإنشاء بقّالة مع عمي في حي البقعة التحتا بالقدس (الحي الذي كنا نعيش فيه قبل جريمة التهجير عام 1948). كان شرط والدي لمشاركة عمي عدم بيع سجائر وكحول. حاول عمي أن يقنع أبي بغير ذلك، لكنه فشل. قال عمي: إذا ما اشتروه منا سيشتروه من غيرنا. قال أبي: لست على استعداد أن أضر الناس. اقترح عمي أن تكون له خزانة خارج المحل لبيع سجائر وكحول، وبالتالي لن يكون أبي شريكا في إيذاء الناس. قال أبي لعمي أنه لا يلف ويدور مع الله في إيمانه. رضخ عمي وأنشأوا البقالة معا. جدير بالذكر أن أبي رفض بيعها ليس لأن هناك قانوناً يحظر بيعها، وليس بسبب أبحاث علمية تؤكد ضررها، بل لأن إيمانه منعه من إيذاء الناس. وعيه كان ناتجا عن مشاهدة المدخنين وهم يسعلون، نتيجة التدخين. ذلك كان كافياً ليرى مدى أذاه. ممكن لو بقي أبي بالمدرسة ثم جامعة، لخسر أهم ما يميز الإنسان: أن يحكم ذاته ويعيش وفق أخلاق يؤمن بها.
#منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة #العيش_بأمل #تعلم #التعلم_قدرة_عضوي