(8 أيلول/ سبتمبر 2020)
في أحد اللقاءات، قلتُ لَهُنَّ: العلاقة بيننا وجدانية بالعمق. بينكنّ وجدتُ نفسي، وغذّيتُنّ روحي. إصغائي لقصصكنّ كوّن لديّ معنًى جديدًا للأدب. أنتنّ أديبات، جذور أدبكنّ تنبع من الحياة. أدبُكنّ بيانٌ يبيّن ما بداخلكن من إدراك ومعارف ومشاعر مفعمة بالإنسانية. لا أذكر خلال عَمَلِنا معا أن خَرَجَتْ منكنّ كلمة فيها زيف؛ تقُلْنَ ما تعنونه وتعنون ما تقلنه – صفة مغيّبة عادة من المؤسسات بما فيها التعليمية التي تركّز عادة على مصطلحات وتصنيفات رنانة. الحياة تنبض فيكُنّ. لغتكنّ لغة الأم، اللغة الحيّة التي تختلف جذريا عن ‘اللغة الأم’. أنتنّ أديبات وفق ما كتبه ‘الجاحظ’ قبل 1200 سنة في ‘البيان والتبيين’، عبر ثلاثة أقوال: الأول ‘اللهم إنا نعوذ بك من فتنة القول كما نعوذ بك من فتنة العمل، ونعوذ بك من التكلُّف لما لا نحسن كما نعوذ بك من العُجْب بما نحسن، ونعوذ بك من السلاطة والهذَر كما نعوذ بك من العيّ والحصر.’ القول الثاني: ‘بيانٌ لدى الشخص يبيّن المعاني القائمة في صدره والمتكونة في فكره. ما يُحْيي تلك المعاني، ذكرُهُ واستعمالُه لها مما يقرِّبُها من الفهم ويجلّيها للعقل ويجعل الخفي منها ظاهرا. وعلى قدر وضوح الدلالة وصواب الإشارة وحسن الاختصار ودقة المدخل يكون إظهار المعنى. وكلما كانت الدلالة أوضح وأفصح وكانت الإشارة أبين وأنور كان أنفع وأنجع. والدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان؛ اسمٌ جامعٌ لكل شيء كشف قناع المعنى. فبأي شيء بلغتَ الإفهام وأوضحتَ عن المعنى، فذلك هو البيان. من هنا، المعاني ليس لها حدود، بينما الألفاظ معدودة محدودة.’ القول الثالث: ‘ما يخرج من القلب يصل إلى القلب وما يخرج من اللسان يصل الآذان’. ذُهِلْتُ عندما لاحظتُ مدى توافق حكايات النساء مع أقوال الجاحظ مما جعلني أُدعوهنّ ‘أديبات’. فبيانُهُنّ (بكلمات الجاحظ) بيّنَ معاني قائمة في صدورهنّ ومتكونة في أفكارهن؛ خرجَت من القلب ووصلَت قلوب السامعين. لم تحتوِ أقوالهن وأعمالهن على فتنة ولم يكن فيها تكلّفٌ ولا إعجاب ولا سلاطة وهذر ولا عيّ وحصر. ما أحيى تلك المعاني ذكرُهُن لها مما قرّبها من الفهم وجلّاها للعقل وجعل الخفي منها ظاهرا. دلالاتهن الظاهرة على المعنى الخفي هو بيانهن الذي كشف قناع المعنى. فرغم أن ألفاظهن كانت معدودة محدودة، إلا أن معانيهن ليس لها حدود. باختصار، وِفْقَ أقوال الجاحظ هُنَّ أديبات. فالأدب مرتبط بصقلٍ وتهذيب مستمرَّيْن للتعبير والمعنى، ومرتبط بجَدْل أنسجة على صعيد الفكر والوجدان والروح والمجتمع. وهذا يتوافق مع قناعةٌ عَمِلْنا وِفْقَها: كل إنسان مصدر معنى ومعرفة وفهم – قدرة ذاتية وواجب وحق (مُغَيَّب بالطبع من الإعلانات العالمية للحقوق!). الشراكة في تكوين معنى مسؤولية كل إنسان، تعكس كرامة وتعددية ومساواة’ وتُجسِّد ديمقراطية المعنى وديمقراطية جدل نسيج مجتمعي عبر المجاورة. أدبُهُنّ يختلف عن أدب محمود درويش كما اختلفت رياضيات أمي عن رياضياتي. نوعان من الأدب والرياضيات لا يمكن مقارنتهما؛ ينتميان لعالمين مختلفين بالمعنى والمصدر والوسيط. ما ذكرتُه بأعلاه مهدت له نجوى وسميرة.
#منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة #العيش_بأمل #تعلم #التعلم_قدرة_عضوية