(10 أيلول/ سبتمبر 2020)
في عالمٍ يركّز على أهمية القراءة والكتابة وعلى تواصُلٍ عبر أجهزة، ويهمل التحادث، نخسر أعمق فن بحياة البشر: التحادث وجها لوجه. كلمة ‘حديث’ بالعربية تجمع في معناها بين التفاعل الشفهي وما هو جديد مما يجعله إبداعا تلقائيا مستمرا. التحادث روح الحكايات والبيان؛ فيه مساواة وجمالية وتلقائية وحيوية وجدل أنسجة؛ علاقة وجدانية لا تهدف لإقناع الآخرين ولا التأثير عليهم ولا تصنيفهم. التحادث بأحلى تجلياته تعانقُ روحين يغذّي كلٌّ منهما الآخر؛ لا يسير وفق متتالية خطية منطقية بل وفق تدفُّق عفوي فطري وجداني. لا يمكن في التحادث التنبؤ كيف سينتهي. كل متجاور ينطق ويصغي دون تعصُّب، تجلى بمجاورة النزهة. النباتات حتى تنمو وتعطي ضروري نرويها؛ الحكايات حتى تنمو وتعطي ضروري نرويها. ساهمت المجاورة بتغذية العالم داخل كلٍّ منا وجدل نسيجٍ بيننا. حكاياتهن عصيّة أن تكون سِلَعًا بل احتفاءً بإنسانية تمتد جذورها بأعماق الحياة، بحُلْوِها ومُرِّها وفرحها وألمها. لم يَجِئْنَ لحافزٍ مادي أو كسب شهادة أو حافز خارجي. لم تشمل المجاورة وعودا بل انتعاشا للروح. لم نتكلم عن حرية الفكر والتعبير بل عن بيان وتبيين. الأول شعار استهلاكي على صعيد الأغصان، بينما الثاني بيانٌ يبين ما يختلج وينضج في الجذور. يمكن أن يفكِّر شخصٌ ويتكلم ساعات بحرية دون أن يبيّن ما يختلج بداخله. الأطفال الذين يعيشون بعلاقة شفهية مع عشرات الأشخاص يوميا محظوظون، يتحدثون بطلاقة إبداعية مدهشة دون تلعثُم؛ مثالٌ رائع للتعلم كقدرة فطرية.
#منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة #العيش_بأمل #تعلم #التعلم_قدرة_عضوية