(9 تشرين أول / أكتوبر 2020)
اضطلعتُ حديثا على عدة أحداث بالمنطقة العربية اخترت منها ثلاثة: (1) مؤتمر ´نُقاط´ بالكويت (نوفمبر2019): ´موطن العقل المطاطي´ State of the Elastic Mind: New Mindset for Old Barriers؛ (2) كتاب إلكتروني صدر حديثا عن مؤسسة WISE بقَطَر’ بالتعاون مع Salzburg Seminar بالنمسا بعنوان: Education Disrupted, Education Reimagined شارك فيه أكثر من 40 شخصا؛ (3) مؤتمر افتراضي نظّمته مؤسسة BuildPalestine مقرُّها برام الله أول أكتوبر 2020: ´الابتكار المجتمعي والتخيل المغاير´. ما هو ملفت للنظر فيها جميعا تغييب أهم ما ميز الحضارة العربية الإسلامية في أوجها: الحكمة، التي جدلَتْ نسيجا غنيا جميلا بين حضارات من الهند وأفغانستان حتى فاس والأندلس عبر 7 قرون. كيف نفسّر إصرارنا على تغييب الحكمة، رغم أنّ ما تُذَكِّرنا به جائحة كورونا و´جورج فلويد´ واستمرار سيطرة التراكم الأسي لرأس المال على الحياة هو أَنْ لا أمل لبقاء البشر واستمرار الحياة على الأرض دون استعادة الحكمة في الحياة؟! لماذا كما يظهر ما زلنا نحتذي بحذاء الغير عبر كلمات ذات معانٍ ومرجعيات مهيمنة رغم أن ´خليل السكاكيني´ قبل 124 سنة حذّرَنا من ذلك لأنها كما ذَكَرَ تُجَسِّد إذلالا؟ لماذا نرى الخراب والتخريب الذي جاءت به الجاليات والاستعمار الغربي على شتى الأصعدة بينما لا نرى التخريب الأخطر والأعمق للعقل والمعرفة والإدراك الذي جرى بشكلٍ خفي عبر غزو العقول بلغة مصنّعة موبوءة، لغة الكتب المقررة والمصطلحات المؤسسية والتصنيفات الأكاديمية؟ ذكرتُ في خواطر سابقة أن هذا حدث عبر تصميم وتخطيط وتنفيذ. من الصعب ذكر شيءٍ في الحياة لم يُخَرَّب… ما نحتاجه ليس لقاحات تشفينا مؤقتا على صعيد المظهر بينما فيروسات خفية تنخر فينا بالجذور وعلى رأسها مفهوم العلم كما عرّفه أبو العلم الحديث ´فرانسيس بيكن´: ´قهر وإخضاع الطبيعة وخلخلة أسسها´، وكما عبّر عنه ´دارون´ البقاء للأصلح مما برّر قتل أضعف لكن أهمّ مخلوق: دودة الأرض، أهم المخلوقات لعافية تربة الأرض وبالتالي لعافية الإنسان والمجتمع. لا نحتاج إلى تغيير جذري وتخيّل مغاير وعقل مطاطي وتطوير وتنمية مستدامة وتخيُّل مختلف للتعليم الرسمي والأكاديمي بل العودة إلى الطبيعة الشافية (وفق ابن سينا) حيث نُخْضِع عقولنا للطبيعة بدلا من إخضاع الطبيعة لعقولنا المرتبطة منذ قرون بجشع وفوز وسيطرة كقِيَم تحكمنا. ´اللقاح´ الذي نحتاجه هو التوقُّف عن كوننا ببغاوات ونسخا عن أصلٍ عاث فسادا وإفسادا بما فيه الكفاية على مدى قرون؛ ما نحتاجه هو استعادة الحكمة والعافية والمسؤولية والتعددية كَقِيَم نحتكم بها في أفكارنا وأقوالنا وأفعالنا وعلاقاتنا. ما أفعله حاليا، بدءا بالأردن، هو ربط التربية بأنواع التربة التي تغذينا: الأرضية والثقافية والمجتمعية والوجدانية. نحتاج إلى أن نقوم من مرقد طبيعة مزيفة جلبتها لنا رياح غربية شمالية، وبدلا منها نستنشق رياحا شرقية جنوبية روحية.
كتبتُ ما كتبتُه بأعلاه لأن أقصى ما يمكن أن أفعله هو أن أحكي حكايتي بصدق مع التعلم والتعليم عبر ثمانية عقود، وما يتعلق بهما من مكونات الحياة. أكتب لشعوري العميق بصدق ما يقوم به الشباب (بما في ذلك من هم بالكويت وفلسطين وقطر وأعرف بعضهم شخصيا؛ حتى في سالزبورغ سمينار حيث كنت متحدثا رئيسيا مرتين). لا أدّعي كما أؤكد دوما أن ما أقوله هو الحقيقة الأحادية العالمية بل ما توصلتُ له عبر تأمّل فيما مررت به واجتهادٍ في تكوين معنى ومعرفة وفهم بناء على ذلك. ما أؤكده بقوة أني منذ حرب 1967 رفضتُ أن أكون ببغاء أو نسخة عن أحد. ما أقوله هو بيان يبيّن بصدق ما اختلج ونما ونضج بداخلي عبر الثمانية قرون الماضية. وكل ما أطلبه من الشباب أن لا يكونوا ببغاوات ونسخا عن أحد بل يلاحظوا ما يجري داخلهم وحولهم مع انتباهٍ شديد للواقع والمقومات الذاتية الموجودة فيهم كأشخاص ومجتمعات وثقافات وأن يبنوا عليها كأساس. ما لدينا هائل لكن مُغَيَّب. فكما ذكرتُ بخواطر سابقة، التخلف لا يعني أنه ليس لدينا ما نحتاجه بل عدم وعينا لما لدينا، وهو هائل. الرؤية التي أعمل وفقها تتكون من كلمتين: مجاورة وعافية؛ المجاورة كاللبنة الأساسية بِبُنْيَة المجتمع، والعافية القيمة المظلية التي نحتكم بها.
#Munir_fasheh #منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة #العيش_بأمل #تعلم #الحكمة #التعلم_قدرة_عضوية #التعلم_خارج_المدرسة