نتغنى بالقدس ونضعها فوق رؤوسنا. بنفس الوقت، نجهلها. نرفعها كشعار، لكن صعب جدا إيجاد مدرسة/ جامعة فلسطينية تتعامل مع القدس عبر بُعْدِها الحضاري والذاكرة الجمعية. تشكّل كُتُبٌ أصدرتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية وغيرها عبر مذكرات أشخاص (شملت خليل السكاكيني وواصف جوهرية وعارف العارف) عاشوا وكتبوا عنها بالفترة التي انتقلت فيها القدس من أفق حضاري إلى أسوأ احتلال شهدته فلسطين عبر تاريخها: الاحتلال البريطاني. جرت تحسينات خلال الاحتلال الانكليزي على السطح/ الأغصان؛ لكن في الجذور كان الاحتلال الانكليزي أسوأ احتلال لفلسطين إذ أدى لأول مرة في تاريخ فلسطين إلى تدمير الريف وتهجير أهاليه عبر التمهيد للصهاينة للقيام بذلك. كل الاحتلالات السابقة اقتصرت على المدن. أول غزو للريف، والذي طَرَدَ أهاليه ودمّر قراه كان جريمة 1948 (التي لم تكن لِتُحَقَّق لولا عصبة الأمم وهيئة الأمم: الأولى شرّعت احتلال انكلترة لفلسطين والثانية شرّعت قيام دولة غريبة على أرضها). هدف بريطانيا (كما فعلَت بمناطق أخرى) تمزيق الأفق الحضاري بالمنطقة (بريطانيا لا تستطيع مقاومة حضارات لذا عملَتْ ما بِوُسْعها لانهيارٍ حضاري وخلق دويلات وصل عددها حتى الآن 22). هناك كتب أكاديمية تُحلّل الوضع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وتربويا، بينما روح القدس لا يمكن أن تظهر إلا عبر مذكرات وبعدٍ حضاري إذ عندها لا تبقى حبيسة لأبجدية بل تلمس الخيال والقلب. لماذا هذه المذكرات مغيبة من المناهج الفلسطينية؟ كانت لي محاولتان لاستعادة البعد الحضاري بجامعاتنا: اقتراح بعثْتُ به عام 2010 للجامعات حول إنشاء بيت حكمة فيها لعشرة طلبة فقط يرغبون بالسير وفق رؤية تتبلور حول الحكمة مبنية على كتبٍ كُتِبَت في عصرٍ جمع تلاقُح عدة حضارات. لم يصلني أي تعليق من أي جامعة! الشخص الذي اهتم بالاقتراح كانت ’نبال ثوابتة‘ محررة صحيفة الحال بجامعة بيرزيت ونشرته يوم 1/2/2011. أما المحاولة الثانية فكانت مجاورات ابن عربي مع مليحة مسلماني التي بدأت مع شباب بمخيم الدهيشة ثم مع شباب الملتقى التربوي العربي بالبيرة عامَيْ 2011 و 2012 ثم عام 2013 مع وحدة ابن رشد بجامعة بيرزيت. لم تهتم أي جامعة بإدخال هذا البعد الحضاري فيها! يوجد مئات الأشخاص يدرّسون رياضيات القبيلة الأورو-أمريكية ولا توجد فسحة واحدة لابن عربي أو لغيره ممن يحملون حكمة بأحشائهم وحياتهم!
استعادة أفق حضاري (الجزء الثاني): روح ’القدْس‘ لا تكتمل إلا إذا سارت على قدمين: أتربة محلية وأفق حضاري.
رد