(11 تشرين ثاني / نوفمبر 2020)
إلى جانب ربط التربية بأتربة تغذينا، يمكننا عمل الكثير دون انتظار تغيير المناهج. نحتاجُ لوضوح وجرأة وشعور بالمسؤولية. أول ما يمكن أن نفعله الشفاء من الببغاوية. هناك عدة أدوات متوفرة لدى كل الناس لهذا الشفاء. أهم أداة استعمال قصص بدلا من مصطلحات مؤسسية في التحادث والتفاعل بين الناس، فدور القصص جوهري في بناء جسور تجدل أنسجة على صعيد العلاقات بين البشر ومع الطبيعة والثقافة والوجدان والذاكرة الجمعية. القصص سلاح الناس؛ اللغة الميتافيزيقية والنظريات سلاح المسيطرين (نحتاج لنظريات في أمور تقنية). سهلٌ جدا خداع عقولٍ لا تكون الحكمة رفيقة لها. الحكمة أساس الصحوة من الموت السريري. جزء هام في الحكمة كأساس هو ربط التربية بأنواع التربة التي تغذينا، إلى جانب ربطها بالكون. بدون حكمة نبقى نهيم في عالمٍ موبوء مخدّر. من هذا المنطلق، عكس الحياة ليس الموت بل الببغاوية التي تشلّ عقولنا ونحن أحياء وتهيّؤها لموت سريري. نعيش الببغاوية على مدى 12 سنة فتصبح طبيعة ثانية فينا. انتزاع أنفسنا منها يمثل تحديا أساسيا لنا. حبس الجسد في مقعد وحبس العقل بمواعين الكتب المقررة على مدى 12 سنة، والاعتقاد بأن ذلك يؤدي لتعلُّم هو مثال صارخ على موت العقل سريرياً. ‘ترامب’ يشكل حالة واضحة جدا لمثل هذه العقول. لكنها موجودة في معظمنا بشكل خفي حيث نمارسها يومياً دون وعيِ منا. مثلاً، في المدارس والجامعات نعاقب من لا يفعل ما نمليه عليهم، كما أن هناك عشوائية في الحكم على الآخرين، ونستعمل مقاييس عمودية صارمة لا علاقة لها بفعل وسياق وقيم سوى قيم الاستهلاك. مهما اختلفنا مع ترامب إلا أنه أكثر شخص وضّح عالمياً المنطق المهيمن منذ 400 سنة على الأقل (وفي بلادنا منذ 150 سنة) والذي يتميز بتحويل البشر إلى ببغاوات (أود أن أُذَكِّر بأني أتكلم عما يمتّ للحياة وليس لمعارف تقنية). من هذا المنطلق، أدى ‘ترامب’ خدمة للبشرية يمكن أن توقظ عقولنا من الموت السريري، لكن كما يظهر تقاوم عقولُنا هذه الصحوة، وتصرّ مثلا على التعليم عن بُعد الذي يمقته الجميع من طلبة وأهالي ومدرّسين وتعمّق الموت السريري لعقولنا! خوفي الأكبر أن نضع اللوم على ترامب ونستمر بالسير وكأن ما يمثله ليس فينا، وبالتالي نخسر هذه الفرصة لاستعادة الحكمة والعافية في حياتنا. فيما يلي بعض ما يمكن فعله (إلى جانب شفائنا من الببغاوية): رفض تدريس أي شيء بدون معنى وسياق وفعل (وهذا بالضبط ما يمكننا فعله في التعامل مع الأتربة الأربعة)؛ وأن يكون قول المدرّس قدر الإمكان بياناً يُبين ما بداخله؛ وأن يضع المدرّس جهدًا للتمييز فيما إذا ما يقوله أو يفكر فيه أو يفعله ينتمي للأغصان أم للجذور؛ ورفض تدريس اللغة العربية عبر نحو وصرف وقواعد فقط بل عبر الجمالية والمنطق والحكمة وتعدد المعنى المتوفرة في ثناياها. اللغات الحية سلاحنا على صعيد العقول؛ تحويلها لمادة مدرسية هو في نظري مثال على تعطيل العقول. كذلك الحال بالنسبة للدين الذي في جوهره يتعلق بما هو روحي، وبعلاقة الإنسان بربّه، وهو مصدر كرامته، ويرتبط بالتقوى والمحبة وحسن المعاملة بين الناس – المُهْمَلة جميعا. إعطاء علامات باللغة العربية والدين استخفافٌ بهما وبعقول البشر. وكما ذكرت سابقا، بما أن الحضارة العربية الإسلامية ترتبط بالقمر، لماذا لا نطلب من كل طالب مشاهدة القمر (مثلا أثناء شهر رمضان) وملاحظة ووصف ما يراه. يشكل هذا إدراكا للعلم يختلف جذريا عن إدراك ‘فرانسيس بيكن’ له. تعدد المعنى هو أكثر ما يميز اللغات الحية، وأحادية وعالمية المعنى هو أكثر ما يميز اللغات الميتافيزيقية. لنتذكر ونمارس دوما حقيقة أن كل إنسان مصدر معنى ومعرفة وفهم، فهي مصدر الشفاء في الجذور.
#Munir_fasheh #منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة #العيش_بأمل #تعلم #الحكمة #التعلم_قدرة_عضوية #التعلم_خارج_المدرسة