(23 تشرين ثاني / نوفمبر 2020)
الانتقال الذي تمّ بالتدريج من ’بيت الحكمة‘ ببغداد (قبل أكثر من 1100 سنة) إلى جامعة ’هارفارد‘ التي ترفع ’الحقيقة‘ شعارا لها يمثل فيروسا خطرا تدفع البشرية حاليا ثمنا باهظا له ربما يصل إلى تدمير الحياة على الأرض. وصْفُ هذا ’بتقدم‘ هو مثال على رؤية الدنيا بالمقلوب. كما ذكرتُ بخاطرة سابقة، بعثت باقتراح للجامعات الفلسطينية عام 2010 بإنشاء بيوت حكمة لعشرة طلبة فقط في كلٍّ منها، ممن يرغبون السير في طريق يختلف عن مساقات، لم تتجرأ أي جامعة على فك رباطها مع الأيديولوجية المهيمنة والسماح لعشرة طلبة فقط بالسير وفق الحكمة. (نشرت اقتراحي بمجلة ’الحال‘ بجامعة بيرزيت بتاريخ 1/ 2 / 2010). تصوروا لو فعلت جامعة واحدة لكان لدينا مئة شخص الآن قد مروا بهذه الخبرة، ولبدأوا بشق طريق، العالم بحاجة ملحة له. بيت الحكمة ما زال بإمكانه أن يلهمنا، فذاكرته لا تزال موجودة بجيناتنا. هنا لا بد من الإشارة أن ادعاء الحقيقة جوهر الهيمنة الغربية وجوهر الأصولية الحديثة التي استطاعت بكل نعومة فرص أصوليتها على العالم. شعار هارفارد مثلا VERITAS أي، الحقيقة. [جدير بالذكر هنا الانحطاط الذي يتمثل من الانحدار/الانهيار من الحكمة إلى الحقيقة]. ادعاء الحقيقة واختراع أدوات وقناعات لفرضها على البشر هو بالضبط مصدر العنصرية والشعور بفوقية ودونية – اي مصدر الشر الذي نشهده في شتى نواحي الحياة الحديثة ومصدر هلاك البشر. هنا بالضبط يشكل قول الإمام علي ’ما هَلَكَ امرؤٌ عَرَفَ قَدْرَ نفسه‘ طريق الشفاء من الأمراض التي ذكرتُها بأعلاه وأُصِبْتُ بها شخصيا (أعيدها هنا: اللغة الميتافيزيقية، الببغاوية، الافتخار بالعبودية، الكولونيالية المعرفية، الإلهاء). أما الأداة فكانت التعليم النظامي والأكاديمي (مرة أخرى، أستثني ما يتعلق منه بنواحٍ تقنية تتوافق مع العافية). بدأ شفائي بقوة وعمق خلال عقد السبعينيات حين بدأتُ أشفى من الأمراض المذكورة، والذي (أي شفائي) بدأ عبر العمل التطوعي (على مدى عشر سنوات 71-1981) بالعودة إلى تربة المجتمع وتربة الأرض وتربة الثقافة. وتربة الوجدان. لكن الزلزال البركاني على صعيد العقل والمعرفة والإدراك حدث عام 1976 عندما وعيتُ لأول مرة أن أمي التي لم تعرف الأبجدية كانت تمارس رياضيات لم أستطع فهمها ولا عمل مثلها!
#Munir_fasheh #منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة #العيش_بأمل #تعلم #الحكمة #التعلم_قدرة_عضوية #التعلم_خارج_المدرسة