(3 كانون الثاني/ يناير 2021)
تغييب أهمية ومركزية الوسيط في الحياة يُسْهِم في عدم قدرتنا على رؤية ما يجري في الجذور. الوسيط هو محدِّد رئيسي بالحياة: هو المُهْلِك وهو الشافي، يعتمد على القيمة التي يحتكم بها: الاستهلاك أم العافية؟ ذكرتُ بخاطرة سابقة كيف اسرائيل لم تكترث بعقد مؤتمرات دولية بالقدس تنتقد إغلاقها للمدارس والجامعات وغيرها أثناء الانتفاضة الأولى (مؤتمرات تكلم فيها أشخاص مثل تشومسكي) بينما تعاملت بشراسة مع الشباب الذين كانوا يقومون بعمل ما ضروري عمله بالأحياء ضمن مجاورات (عُرِفَت بلجان الأحياء) كالتعلم والزراعة الجماعية وتدبير شؤون الحي (كالعناية بكبار السن). سألتُ نفسي: لماذا لم تكترث اسرائيل ولم تعترض على عقد مؤتمرات دولية بينما تعاملت مع لجان الأحياء بقساوة شديدة؟ السبب الذي توصلتُ له في حينها يكمن في الوسيط. بينما الوسيط بالمؤتمرات مؤسسات ومهنيون، الوسيط بلجان الأحياء هم الشباب الذين أخذوا على عاتقهم تدبير شؤون الحي. أدى ذلك بي لكتابة مقال بجريدة القدس بعنوان ’حرية الفكر والتعبير أم تحرير الفكر والتعبير؟‘ كما أدى بي إلى تعميق قناعتي بأن المشكلات والأزمات التي نشهدها حول العالم (كالتي نمر بها بالنسبة لكورونا) لن تُحَلَّ بالجذور من قبل مؤسسات ومهنيين بل من قبل مجاورات. أساس المجاورات تحمُّل المسؤولية وحكم الذات في أمور معيشية ترتبط بالعافية كالتحكم بما يدخل الجسم والعقل والقلب والعلاقات؛ مجاورات مكونة من مريدين ومرادين يشكلون الوسيط الذي بإمكانه القيام بما هو ضروري في زمن كورونا وما بعدها. نحتاج لمؤسسات ومهنيين بنواحٍ تقنية تتعلق بالأغصان، لكن إذا أهملنا الجذور سينهدم ما نبنيه. كما احتاج السكاكيني لوضوح بالإدراك وجرأة بالتعبير قبل 125 سنة في وصفه وتعامله مع التعليم الذي جلبته جاليات غربية للقدس، نحتاج حاليا إلى وضوح وجرأة في التعامل مع التعليم زمن كورونا وما بعدها، مثل العمل وفق ’واجبي أن أتعلم أهم بكثير من واجبي أن أدرس‘، مما يعني أن التعلم عن قرب (القرب من أتربة تغذينا ونغذيها) أهم بكثير من التعليم عن بعد والذي يُمارَس بسذاجة حول العالم. نعيش فرصة نادرة لاستعادة العيش بوفرة، بما هو متوفر لدينا كأشخاص وطبيعة وثقافات وقدرات طبيعية كالتعلم، ومثل الأتربة المذكورة بأعلاه، والمجاورة كوسيط، والعافية والمسؤولية كقيم.
#Munir_fasheh #منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة #العيش_بأمل #تعلم #الحكمة #التعلم_قدرة_عضوية #التعلم_خارج_المدرسة