(8 كانون الثاني/ يناير 2021)
مثالٌ صارخٌ على لغة مستعملة بمؤتمرات وإعلانات دولية هو لغة الإعلان العالمي حول ’أهداف التنمية المستدامة‘ التي جاء فيها: ’اعتمَدَت جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة عام 2015 أهداف التنمية المستدامة باعتبارها دعوة عالمية للعمل على إنهاء الفقر وحماية الكوكب وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار بحلول عام 2030. أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر متكاملة – أي أنها تدرك أن العمل في مجال ما سيؤثر على النتائج في مجالات أخرى، وأن التنمية يجب أن توازن بين الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. من خلال التعهد بعدم ترك أي شخص في الخلف، التزمت البلدان بتسريع التقدم لأولئك الذين في الخلف…‘. لغة دعائية بامتياز، ظاهرها جميل وبرّاق لكن باطنها كلمات مُخَدِّرة تلهينا عن رؤية الواقع بوضوح وعن المعيقات لتغييره – حقيقة كما يظهر لم تلاحظها أي دولة! قراءتي للإعلان كانت من المرات النادرة في حياتي التي شعرت فيها بيأس وأن لا أمل للبشرية. صعبٌ تصديق أن 193 دولة وقّعت على أهدافٍ لا علاقة لها باستدامة الحياة على الأرض، بل باحتقار من هم خارج عالم الاستهلاك ومساعدتهم للانضمام له، وأيضا بإلهائنا للبقاء بين الأغصان وعدم الاكتراث بما يحدث بالجذور. ما هو مثير للانتباه عدم ذكر نواحٍ بجوهر الحياة التي لا تحتاج إلى تنمية بل إلى حماية من أيديولوجية التنمية المهيمنة بالذات، كالحكمة والعافية والكرامة والمحبة والأمل والإيمان والتقوى وروح الضيافة – والتي بدونها لا أمل لاستدامة الحياة وبقاء البشر وقدرة الطبيعة على توليد ذاتها. تساءلتُ: هل من المعقول لم توجد دولة واحدة على الأقل قرأت الإعلان بتمعُّن قبل التوقيع عليه؟ هل من المعقول أن 193 دولة كانوا غارقين بسبات عميق؟ كيف لنا أن نثق بدول وقَّعَتْ على شيء من هذا القبيل؟! الله يكون بعوننا. يوقظنا هذا لضرورة أن نكون بعون بعضنا البعض. قبل ألف سنة حدّد ’ابن سينا‘ استدامة وعافية الحياة بكلمتين: الطبيعة الشافية. عشرات الدول العربية والإسلامية كان بإمكانها أن تعود لجذورها (كقول ابن سينا)، كما كان بإمكان دول أخرى لديها حضارات عريقة مليئة بالحكمة، لتنبيه من وقّعوا على وثيقة تتكلم، مثلا، عن محاربة الفقر (وترك الجشع يصول ويجول)؛ ومثلا، عدم ذكر أهمية حماية قدرة الطبيعة على توليد ذاتها، قدرة يتناقض معها مفهوم التنمية السائد؛ ومثلا، حماية اللغات الحيّة من احتلال ‘اللغة الأم’المصنَّعة محلها؛ ومثلا، حماية التعلم من احتكار التعليم النظامي له وإلحاقه به؛ ومثلا، حمايتنا من النظر إلى الحياة عبر أبجدية ومفاهيم ونظريات تعيق قدرتنا على قراءة الحياة، بدلا من اختيار كلمات وتكوين معانٍ لها عبر خبراتنا وتفاعلنا مع الحياة. الحياة هي الأساس وليس لغة الكتب المقررة والأكاديميا والإعلانات. لنتذكّر: لا يمكن تحسين قدرة طفل على تعلم لغة أهله أفضل من تفاعل يومي مع أكبر عدد من الأشخاص بأجواء حقيقية غنية متنوعة خلال السنوات الأولى من حياته؛ ولا يمكن تحسين ماءٍ من نبعٍ صافٍ حتى لو أحضرنا أفضل الهيدرولوجيين وأعطيناهم ما يحتاجون له، لن يكون باستطاعتهم تكوين ماء أفضل من ماء نبعٍ لم تصله المدنية. كذلك بالنسبة للنباتات البرية التي كل ما تحتاجه هو ليس تنمية بل حماية. حماية مكونات الحياة هذه أهملها الإعلان. جدير بالذكر أن مثل هذه النواحي لا يمكن للعقل أن يفهمها ولا اللغة التعبير عنها؛ ويفوق عددها وأهميتها ما يمكن للعقل أن يستوعبه واللغة أن تعبر عنه؛ الحياة أوسع بكثير. وهذا يعني أن الانتباه لهذه الأمور هو بأيدينا ومسؤوليتنا.
#Munir_fasheh #منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة #العيش_بأمل #تعلم #mujaawarah #تنمية_مستدامة #الحكمة #التعلم_قدرة_عضوية #التعلم_خارج_المدرسة