(10 كانون الثاني/ يناير 2021)
في هذا اليوم العاشر من يناير/ كانون الثاني 2021 أُعْلِن انسحابي كليا من القبيلة الأكاديمية التي أخلّت عبر 400 سنة بسلامة أهم ما يميز الحياة: العيش وفق حكمة وعافية وكرامة ومسؤولية وأمل وإيمان وروح الضيافة وتعدد المعنى والوسيط. ترتبط هذه النواحي بقدرات متوفرة لدينا كبشر بالخليقة منذ الولادة؛ لا يمكن اكتسابها عبر تدريس ومؤسسات ومهنيين. كل ما تحتاج له هو أتربة يتغذى منها الإنسان ويغذيها – أتربة أرضية وثقافية ومجتمعية ووجدانية. أهم القدرات العضوية الفطرية المتوفرة لدى البشر هي التعلُّم والتنفس والهضم. حماية هذه الأتربة والقدرات من أي سوء يجب أن يكون جوهر التعليم النظامي والأكاديمي لكنهما في الواقع يمثلان فيروسين خطرين بالنسبة للأتربة والقدرات. ما ذكرتُه بأعلاه، بالنسبة لما يميز الحياة، يتوافق مع روح الأديان (قبل أن تُمَأْسَسْ)، ومع روح التعلُّم قبل أن يخنقه التعليم النظامي ويحوله لمعلومات ومهارات آلية ومعارف تقنية، ومع روح المعرفة التي تصبح جزءا عضويا من أسلوب حياة الشخص دون وعيٍ وتخطيط، ومع روح العلم الذي ربطه ’ابن سينا‘ بالطبيعة الشافية (قبل اختطافه من قِبَل ’فرانسيس بيكن‘ الذي ربطه بإخضاع الطبيعة وخلخلة أسسها). تطلَّب انسحابي العودةَ للعيش وفق إنسانية خارج إملاءات القبيلة الأكاديمية ونمط الاستهلاك، وخارج قيم السيطرة والفوز، وخارج العيش كعبد في خدمة التراكم الأسي لرأس المال دون وعي مني، وخارج بِداغويجيا ونخبوية وعنجهية وفوقية وتميُّز وتفوّق، المرتبطة جميعا بمقاييس عمودية ممزقة للعالم داخل الإنسان والعالم من حوله. هذا الانسحاب ليس خطوة متطرفة بل خطوة ضرورية ظلّت تتبلور وتتعمق لديّ عبر خمسين سنة. وظهرت هذه الضرورة بقوة ووضوح مؤخرا نتيجة رد فعل المؤسسات التعليمية في مواجهة جائحة كورونا حيث بقي أفقُها محصورا ضمن مناهج مريضة أصلا – بالتصميم. لم يعد الحال يتحمل وضع رؤوسنا بالرمال. الأكاديميا ليست المخلص بل فيروس أساسي في العصر الحديث. يوجد عشرات الأساتذة يدرّسون مساقات لامعنى لها ولا فائدة في دوائر الرياضيات بالجامعات بينما لا يوجد مجاورة واحدة تغذي روح الحكمة؛ توجد مساقات بالعلوم تطمس إدراك العلم كمسار للطبيعة الشافية ويحتل محله العلم كإخضاع الطبيعة. من النادر إيجاد شخص في الجامعات يعي دور رياضيات القبيلة الأورو-أمريكية ك’سلاح‘ رئيسي في نشر الكولونيالية المعرفية، أو يعي أن علومها تمثل أكبر مخرب للحياة وما يغذي الإنسان والمخلوقات. يشكل السكوت عن أنواع التخريب هذه، وإقناع أغلبية البشر بالدونية جريمة ضد كرامة وعافية الإنسان. يتناقض هذا مع حضارتنا التي كانت الجامع الأكبر للحكمة بين الهند وأفغانستان وبلاد فارس شرقا واليمن جنوبا واليونان شمالا والمغرب والأندلس غربا. عيبٌ علينا أن نستمر في سعينا لنكون ببغاوات ونسخ. الانسحاب من القبيلة الأكاديمية يمثل أضعف الإيمان. أبهرتنا القبيلة الأكاديمية بإنجازاتها على صعيد الأغصان دون أن ننتبه إلى التخريب الخفي العميق في الجذور حيث يدفع الملايين ثمنا باهظا على صعيد إنسانيتهم. مسؤوليتنا حماية الأجيال القادمة، ليس عبر أجوبة وحلول جاهزة تُعْطى لهم بل عبر تذكيرهم أن عليهم المسؤولية ولديهم المقومات للشفاء من أوهام وخرافات الأيديولوجية المهيمنة. ما نعيشه لم يعد وجهة نظر بل يرتبط بإدراكنا لجوهر وجودنا: ما هلك امرؤٌ عرف قدر نفسه. إذا سمحنا لهذه الأوهام أن تمر، سنعيش أوبئة وجوائح مستقبلية على شتى الأصعدة. ما أقدمه في هذه الخواطر ليس حلولا جاهزة، بل أعرض قصتي حول ما مررت به وتوصلت له، تذكيرا للشباب بأن خلاصهم لن يأتي ممن يحملون فيروسات دون وعي منهم، بل من إعادة علاقتهم بما هو متوفر لديهم. لا أتكلم عن حلول راديكالية بل عن شيء أهم: العودة لما هو متوفر لدينا كأشخاص وثقافات ومجتمعات وحضارات (بما في ذلك تغيير ما يحتاج من تقاليد إلى تغيير بطرق تقليدية – كما يقول الزباتيون، أهالي جنوب المكسيك الأصليين). سعيُ القبيلة الأوروبية منذ 5 قرون كان وما زال انهيار الحضارات، والذي بدأ بالأمريكتين. حضارتنا حاليا مهيأة بالانهيار إذا استمرينا في سعينا لنكون ببغاوات ونسخا عن القبيلة المذكورة.
#Munir_fasheh #منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة #العيش_بأمل #تعلم #mujaawarah #تنمية_مستدامة #الحكمة #التعلم_قدرة_عضوية #التعلم_خارج_المدرسة