الخاطرة رقم 123: يوم ٢٠٢١/١/١٠ إعلان انسحابي رسميا من القبيلة الأكاديمية (الجزء الثاني)… خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(11 كانون الثاني/ يناير 2021)

زمن الميوعة والخبث على صعيد الفكر يجب أن ينتهي، إذا أردنا استمرار الحياة على الأرض. التعليم النظامي والأكاديمي كما صمِّمَا ضمن القبيلة الأورو-أمريكية وانتشرا حول العالم، عفا عليهما الزمن. بقاء البشر يتطلب وعي مساهمتهما بالمصائب والأزمات والدمار والتخريب التي نشهدها جميعا حول العالم. علينا أن نتوقف عن حساب ما نجنيه من مكاسب عبرهما دون طرح ما ندفعه من ثمن على الصعيد الشخصي والجمعي والثقافي وصعيد الطبيعة، إذ نكون عندها كالتاجر الذي يحسب ما يدخله دون أن يطرح ما يدفعه من ثمن، مما يجعله يعتقد أنه دوما رابح. التحولات التي عشناها خلال العام الفائت لم تحدث اعتباطا بل نتيجة مفاهيم وإدراك وتصميم وتنفيذ سادوا جميعا عبر قرون، والتي شملت ’فيروس‘ الثورة العلمية وفق ممارسة القبيلة لها، وفيروس التعليم النظامي وفق مفهوم ’كومينيوس‘ (أبو التعليم الحديث): “فقط عبر التعلُّم الذي ينتج عن تدريس يمكن للأشخاص أن يرتفعوا لأوج إنسانيتهم؛ الذين يتعلمون دون تدريس هم أقرب للحيوانات مما للبشر”:

Only if learning is the result of teaching can individuals be raised to the fullness of their humanity. People who learn without being taught are more like animals than men.

لم تكن الحكمة رفيقة الرياضيات والثورة العلمية اللتين انطلقتا من القبيلة الأورو-أمريكية، التي توّجت تخريبها للحياة والفكر والإدراك والعلاقات عبر ’التنمية‘ كما صاغها ’ترومان‘ عام 1949 في خطاب تسلّمه رئاسة أمريكا والتي بناها على الفرضية بأن أربع أخماس البشر متخلفون، وأنه هو ودول أوروبا الغربية مستعدون لتنميتنا! وصدّقنا ذلك لأن عقولنا قَوْلَبَها تعليم وأكاديميا القبيلة على مدى عقود.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم  #mujaawarah # تنمية_مستدامة   #الحكمة  #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

الخاطرة رقم 122: يوم ٢٠٢١/١/١٠ إعلان انسحابي رسميا من القبيلة الأكاديمية (الجزء الأول)… خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(10 كانون الثاني/ يناير 2021)

في هذا اليوم العاشر من يناير/ كانون الثاني 2021 أُعْلِن انسحابي كليا من القبيلة الأكاديمية التي أخلّت عبر 400 سنة بسلامة أهم ما يميز الحياة: العيش وفق حكمة وعافية وكرامة ومسؤولية وأمل وإيمان وروح الضيافة وتعدد المعنى والوسيط. ترتبط هذه النواحي بقدرات متوفرة لدينا كبشر بالخليقة منذ الولادة؛ لا يمكن اكتسابها عبر تدريس ومؤسسات ومهنيين. كل ما تحتاج له هو أتربة يتغذى منها الإنسان ويغذيها – أتربة أرضية وثقافية ومجتمعية ووجدانية. أهم القدرات العضوية الفطرية المتوفرة لدى البشر هي التعلُّم والتنفس والهضم. حماية هذه الأتربة والقدرات من أي سوء يجب أن يكون جوهر التعليم النظامي والأكاديمي لكنهما في الواقع يمثلان فيروسين خطرين بالنسبة للأتربة والقدرات. ما ذكرتُه بأعلاه، بالنسبة لما يميز الحياة، يتوافق مع روح الأديان (قبل أن تُمَأْسَسْ)، ومع روح التعلُّم قبل أن يخنقه التعليم النظامي ويحوله لمعلومات ومهارات آلية ومعارف تقنية، ومع روح المعرفة التي تصبح جزءا عضويا من أسلوب حياة الشخص دون وعيٍ وتخطيط، ومع روح العلم الذي ربطه ’ابن سينا‘ بالطبيعة الشافية (قبل اختطافه من قِبَل ’فرانسيس بيكن‘ الذي ربطه بإخضاع الطبيعة وخلخلة أسسها). تطلَّب انسحابي العودةَ للعيش وفق إنسانية خارج إملاءات القبيلة الأكاديمية ونمط الاستهلاك، وخارج قيم السيطرة والفوز، وخارج العيش كعبد في خدمة التراكم الأسي لرأس المال دون وعي مني، وخارج بِداغويجيا ونخبوية وعنجهية وفوقية وتميُّز وتفوّق، المرتبطة جميعا بمقاييس عمودية ممزقة للعالم داخل الإنسان والعالم من حوله. هذا الانسحاب ليس خطوة متطرفة بل خطوة ضرورية ظلّت تتبلور وتتعمق لديّ عبر خمسين سنة. وظهرت هذه الضرورة بقوة ووضوح مؤخرا نتيجة رد فعل المؤسسات التعليمية في مواجهة جائحة كورونا حيث بقي أفقُها محصورا ضمن مناهج مريضة أصلا – بالتصميم. لم يعد الحال يتحمل وضع رؤوسنا بالرمال. الأكاديميا ليست المخلص بل فيروس أساسي في العصر الحديث. يوجد عشرات الأساتذة يدرّسون مساقات لامعنى لها ولا فائدة في دوائر الرياضيات بالجامعات بينما لا يوجد مجاورة واحدة تغذي روح الحكمة؛ توجد مساقات بالعلوم  تطمس إدراك العلم كمسار للطبيعة الشافية ويحتل محله العلم كإخضاع الطبيعة. من النادر إيجاد شخص في الجامعات يعي دور رياضيات القبيلة الأورو-أمريكية ك’سلاح‘ رئيسي في نشر الكولونيالية المعرفية، أو يعي أن علومها تمثل أكبر مخرب للحياة وما يغذي الإنسان والمخلوقات. يشكل السكوت عن أنواع التخريب هذه، وإقناع أغلبية البشر بالدونية جريمة ضد كرامة وعافية الإنسان. يتناقض هذا مع حضارتنا التي كانت الجامع الأكبر للحكمة بين الهند وأفغانستان وبلاد فارس شرقا واليمن جنوبا واليونان شمالا والمغرب والأندلس غربا. عيبٌ علينا أن نستمر في سعينا لنكون ببغاوات ونسخ. الانسحاب من القبيلة الأكاديمية يمثل أضعف الإيمان. أبهرتنا القبيلة الأكاديمية بإنجازاتها على صعيد الأغصان دون أن ننتبه إلى التخريب الخفي العميق في الجذور حيث يدفع الملايين ثمنا باهظا على صعيد إنسانيتهم. مسؤوليتنا حماية الأجيال القادمة، ليس عبر أجوبة وحلول جاهزة تُعْطى لهم بل عبر تذكيرهم أن عليهم المسؤولية ولديهم المقومات للشفاء من أوهام وخرافات الأيديولوجية المهيمنة. ما نعيشه لم يعد وجهة نظر بل يرتبط بإدراكنا لجوهر وجودنا: ما هلك امرؤٌ عرف قدر نفسه. إذا سمحنا لهذه الأوهام أن تمر، سنعيش أوبئة وجوائح مستقبلية على شتى الأصعدة. ما أقدمه في هذه الخواطر ليس حلولا جاهزة، بل أعرض قصتي حول ما مررت به وتوصلت له، تذكيرا للشباب بأن خلاصهم لن يأتي ممن يحملون فيروسات دون وعي منهم، بل من إعادة علاقتهم بما هو متوفر لديهم. لا أتكلم عن حلول راديكالية بل عن شيء أهم: العودة لما هو متوفر لدينا كأشخاص وثقافات ومجتمعات وحضارات (بما في ذلك تغيير ما يحتاج من تقاليد إلى تغيير بطرق تقليدية – كما يقول الزباتيون، أهالي جنوب المكسيك الأصليين). سعيُ القبيلة الأوروبية منذ 5 قرون كان وما زال انهيار الحضارات، والذي بدأ بالأمريكتين. حضارتنا حاليا مهيأة بالانهيار إذا استمرينا في سعينا لنكون ببغاوات ونسخا عن القبيلة المذكورة.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم  #mujaawarah #تنمية_مستدامة  #الحكمة #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

الخاطرة رقم 121: تناقُش… خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(9 كانون الثاني/ يناير 2021)

كلمة تناقُش من أجمل الكلمات بالعربية والتي تختلف كليا عن حوار وجدال وغيرهما. ’نقش‘ باللغة العربية تعني جمّل، مما يعني حرفيا أن المتناقشين يخرجوا من التناقش أجمل مما كانوا عليه قبل النقاش – أي يتم عبر التناقش تجميل تبادلي بينهم. هدف الحوار والجدال عادة أن يبرهن كل شخص أن فكرته أفضل من الآخرين.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم  #mujaawarah #تنمية_مستدامة #الحكمة #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

الخاطرة رقم 120: كلمات مخدِّرة دعائية… خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(8 كانون الثاني/ يناير 2021)

مثالٌ صارخٌ على لغة مستعملة بمؤتمرات وإعلانات دولية هو لغة الإعلان العالمي حول ’أهداف التنمية المستدامة‘ التي جاء فيها: ’اعتمَدَت جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة عام 2015  أهداف التنمية المستدامة باعتبارها دعوة عالمية للعمل على إنهاء الفقر وحماية الكوكب وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار بحلول عام 2030. أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر متكاملة – أي أنها تدرك أن العمل في مجال ما سيؤثر على النتائج في مجالات أخرى، وأن التنمية يجب أن توازن بين الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. من خلال التعهد بعدم ترك أي شخص في الخلف، التزمت البلدان بتسريع التقدم لأولئك الذين في الخلف…‘. لغة دعائية بامتياز، ظاهرها جميل وبرّاق لكن باطنها كلمات مُخَدِّرة تلهينا عن رؤية الواقع بوضوح وعن المعيقات لتغييره – حقيقة كما يظهر لم تلاحظها أي دولة! قراءتي للإعلان كانت من المرات النادرة في حياتي التي شعرت فيها بيأس وأن لا أمل للبشرية. صعبٌ تصديق أن 193 دولة وقّعت على أهدافٍ لا علاقة لها باستدامة الحياة على الأرض، بل باحتقار من هم خارج عالم الاستهلاك ومساعدتهم للانضمام له، وأيضا بإلهائنا للبقاء بين الأغصان وعدم الاكتراث بما يحدث بالجذور. ما هو مثير للانتباه عدم ذكر نواحٍ بجوهر الحياة التي لا تحتاج إلى تنمية بل إلى حماية من أيديولوجية التنمية المهيمنة بالذات، كالحكمة والعافية والكرامة والمحبة والأمل والإيمان والتقوى وروح الضيافة – والتي بدونها لا أمل لاستدامة الحياة وبقاء البشر وقدرة الطبيعة على توليد ذاتها. تساءلتُ: هل من المعقول لم توجد دولة واحدة على الأقل قرأت الإعلان بتمعُّن قبل التوقيع عليه؟ هل من المعقول أن 193 دولة كانوا غارقين بسبات عميق؟ كيف لنا أن نثق بدول وقَّعَتْ على شيء من هذا القبيل؟! الله يكون بعوننا. يوقظنا هذا لضرورة أن نكون بعون بعضنا البعض. قبل ألف سنة حدّد ’ابن سينا‘ استدامة وعافية الحياة بكلمتين: الطبيعة الشافية. عشرات الدول العربية والإسلامية كان بإمكانها أن تعود لجذورها (كقول ابن سينا)، كما كان بإمكان دول أخرى لديها حضارات عريقة مليئة بالحكمة، لتنبيه من وقّعوا على وثيقة تتكلم، مثلا، عن محاربة الفقر (وترك الجشع يصول ويجول)؛ ومثلا، عدم ذكر أهمية حماية قدرة الطبيعة على توليد ذاتها، قدرة يتناقض معها مفهوم التنمية السائد؛ ومثلا، حماية اللغات الحيّة من احتلال ‘اللغة الأم’المصنَّعة محلها؛ ومثلا، حماية التعلم من احتكار التعليم النظامي له وإلحاقه به؛ ومثلا، حمايتنا من النظر إلى الحياة عبر أبجدية ومفاهيم ونظريات تعيق قدرتنا على قراءة الحياة، بدلا من اختيار كلمات وتكوين معانٍ لها عبر خبراتنا وتفاعلنا مع الحياة. الحياة هي الأساس وليس لغة الكتب المقررة والأكاديميا والإعلانات. لنتذكّر: لا يمكن تحسين قدرة طفل على تعلم لغة أهله أفضل من تفاعل يومي مع أكبر عدد من الأشخاص بأجواء حقيقية غنية متنوعة خلال السنوات الأولى من حياته؛ ولا يمكن تحسين ماءٍ من نبعٍ صافٍ حتى لو أحضرنا أفضل الهيدرولوجيين وأعطيناهم ما يحتاجون له، لن يكون باستطاعتهم تكوين ماء أفضل من ماء نبعٍ لم تصله المدنية. كذلك بالنسبة للنباتات البرية التي كل ما تحتاجه هو ليس تنمية بل حماية. حماية مكونات الحياة هذه أهملها الإعلان. جدير بالذكر أن مثل هذه النواحي لا يمكن للعقل أن يفهمها ولا اللغة التعبير عنها؛ ويفوق عددها وأهميتها ما يمكن للعقل أن يستوعبه واللغة أن تعبر عنه؛ الحياة أوسع بكثير. وهذا يعني أن الانتباه لهذه الأمور هو بأيدينا ومسؤوليتنا.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم    #mujaawarah #تنمية_مستدامة #الحكمة    #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

الخاطرة رقم 119: ’ماذا تعني لك كلمة تنمية؟… خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(7 كانون الثاني/ يناير 2021)

من أكثر الكلمات المستعملة بالمؤسسات (سواء بالتعليم أم الأكاديميا أم السياسة أم الاقتصاد…) كلمة تنمية، مما يجعل ’ماذا تعني لك كلمة تنمية؟‘ سؤالا هاما لكن مغيّب. وحتى لا نضيع في دهاليز لغة مصنعة ميتافيزيقية، ضروري أن يكون جوابك عبر قصص تجسّد خبرات وتأمل واجتهاد. وهذا ينطبق على كلمات أخرى هامة في الحياة مثل تعلم وتقدم ومعرفة وعلم وفهم… أود أن أؤكد مرة أخرى أن كل إنسان مصدر معنى وبالتالي شريك في تكوين معاني الكلمات التي يستعملها.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم  #mujaawarah #تنمية_مستدامة #الحكمة #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

الخاطرة رقم 118: آن الأوان لانتزاع أنفسنا من جائحة ’التعليم عن بُعْد‘؛ واستعادة ’التعلم عن قُرْب‘… جزء 3… خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(6 كانون الثاني/ يناير 2021)

تصوروا لو تعاملت المدارس بالأردن وفلسطين وسورية ولبنان (بلاد الشام) مع التعلم بالمعاني التي ذكرتها بالخاطرتين السابقتين حيث على الأقل يمكن توحيدنا عبر العيش بعافية. ما نحتاج له هو الجهاد في سبيل العافية؛ قولُ كلمة حق في وجه نمط عيش/ فكر جائر. جزء من قول الحق في زمن كورونا هو أن ’التعليم عن بعد‘ وإهمال عافية الأطفال يشكلان نمطُ عيشٍ جائر. لذا، حَيَّ على الجهاد لاستعادة عافيتنا. آن الأوان أن نلقي بثقلنا كبشر في الحياة ونتوقف عن كوننا ببغاوات ونسخا عن آخرين. لم يعد الوضع يتحمل أن نستمر بوضع رؤوس أطفالنا بمواعين كتب مقررة وشاشات توحي بأن ما نشاهده معرفة! الدجاح محصّن عضويا إذ إذا وضعنا بمواعينه صور علف لا ينخدع. الإنسان غير محصّن، يُخْدَع بسهولة، مما يضطرنا في عصر كورونا العيش بمسؤولية القيام بما علينا عمله بأنفسنا، لا أن نعتمد على خبراء ومنظمات لتقوم بما يمكن القيام به بأنفسنا. العيش وفق تغذية الأتربة (الأرضية والثقافية والمجتمعية والوجدانية) والتغذي منها هي مسؤوليتنا على طريق العافية.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم   #الحكمة   #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

الخاطرة رقم 117: آن الأوان لانتزاع أنفسنا من جائحة ’التعليم عن بُعْد‘؛ واستعادة ’التعلم عن قُرْب‘… جزء 2… خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(5 كانون الثاني/ يناير 2021)

آن الأوان لاستعادة التعلم بعد أن صادره التعليم مدة تزيد عن مائة سنة في بلادنا عبر الوهم بأن التعليم يؤدي إلى تعلم! أعود لأؤكد أن التعليم يؤدي إلى تعلم بالنسبة لمعلومات ومهارات آلية ومعارف تقنية وليس بمعنى أن تصبح المعرفة جزءا من أسلوب حياة الشخص. يمكننا مثلا التعامل مع العلوم بحكمة، وفق إدراك ابن سينا المتمثل بالطبيعة الشافية، بدلا من تعريف ’فرانسيس بيكن‘ بأن العلم هو قهر وإخضاع الطبيعة. استعادة الحكمة في الحياة أمرٌ أساسي في التعلم. الركيزة الأساسية في التعلم وفق العافية والحكمة تكمن في الأتربة التي يتغذى منها الإنسان ويغذيها: الأرضية والثقافية والمجتمعية والوجدانية. هذه فرصة نادرة لقيام الطلبة بقراءة كتب هي بمثابة بيان وتبيين، لغتها ومعانيها مستمدة من التأمل فيما يمر به الناس والاجتهاد لتكوين معنى؛ وقيامهم أيضا بأنفسهم بالتأمل والاجتهاد لتوليف بيانٍ يبين بصدق وبلاغة ما ينضج بدواخلهم. من هذا المنطلق، ’التعليم عن بعد‘ جائحة اجتاحت العالم، مما يتطلب إعادة النظر بكثير من أوهامٍ وخرافات وأمراض حديثة. سؤال: لماذا (عبر التعليم عن بُعد) نعتبر إنهاء المنهاج أهم من حماية عيون الأطفال من النظر في شاشات، عدة ساعات باليوم؟ وحماية عقولهم من لغة ميتافيزيقية لا تستمد معانيها من الحياة؟ وحماية أجسادهم من الخمول جلوسا لا يتحركون؟ وحماية وجدانهم وقلوبهم من جفافٍ عاطفي وروحي؟ ينطبق هذا أيضا على أهالي الطلبة. كيف نفسر مقدار وعمق وسهولة التخدير الذي نصل إليه كبشر؟ تفسيري الشخصي: تغييب الحكمة من الحياة، ووضع العقل على العرش، حيث يصول ويجول دون وازع أو ضابط. غياب الحكمة يفسر حالات حديثة متطرفة ضمن هذا المسار، لعل أوضحها ترامب وهتلر وإينشتاين؛ فعقولهم متربعة على عروش تحكمها قيم السيطرة والفوز والكسب. أُذكّر: من أهم ما يميز التعلم الشراكة بتكوين معنى. جذر كلمة قاموس هو ’قَمَسَ‘ التي أحد معانيها: قَمَسَ الشخصُ في الماء إذا غاص فيه ثم ظهر، انغطَّ ثم ارتفع. القاموس هو أبعد موضع بأعماق البحر يغوص نحوها المرء ثم يظهر. هذا ما علينا فعله في سعينا للتعلم: غوصٌ في محيط الحياة، في أبعد أعماقها، حيث نَظْهَر ببلورة جديدة للمعاني والفهم.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم   #الحكمة   #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

الخاطرة رقم 116: آن الأوان لانتزاع أنفسنا من جائحة ’التعليم عن بُعْد‘؛ واستعادة ’التعلم عن قُرْب‘… جزء ١… خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(4 كانون الثاني/ يناير 2021)

ما نعيشه من تغيرات ووقائع وأزمات لا يمكن أن يُحَلّ من قبل حكومات ومنظمات دولية؛ الوضع يتطلب بالضرورة أن يتحمّل كل شخص مسؤوليته في عمل ما يمكن أن يعمله ضمن ما هو ضروري عمله. وهذا يتطلب جرأة ووضوح لا يمكن أن يأتيا من مهنيين وأكاديميين وخبراء. آن الأوان لانتزاع التعلم من براثن التعليم النظامي والأكاديمي واستعادته كوسيلة رئيسية في مواجهة الأوبئة والأخطار والمهام المترتبة عليها. ربما يكون هذا أكبر فائدة نجنيها من تعرُّضنا لجائحة كورونا: انتزاعنا من الوَهْم واستعادة الفَهْم، من عالم استهلاكي يسير عبر أجهزة، واستعادة عالم ينبض بالحياة. يبرز هنا سؤال: ما هو أهم حامي للإنسان من الأوبئة بما فيها كورونا؟ هناك كثير من الدوشة حول لقاحات كأكبر حامي، لكننا بهذا ننسى أهم واقٍ بالعمق والجذور وعلى أصعدة شتى: المناعة الذاتية. أهم مناعة للجسم تكمن في النباتات البرية (الموجودة بوفرة ببلاد الشام لكن أيديولوجية التقدم غيبتها)؛ وأهم مناعة للمرء على صعيد إدراكه لنفسه تكمن في تأكيد ثقله في الحياة كإنسان وذلك عبر مقولة الإمام علي: ’ما هلك امرؤٌ عرف قدر نفسه‘، لكن أيديولوجية التقدم غيبتها؛ وأهم مناعة على صعيد المجتمع تكمن بالمجاورة كاللبنة الأساسية في بنيته، لكن أيديولوجية التقدم غيبتها عبر استبدالها بمؤسسات؛ وأهم مناعة على صعيد الوجدان تكمن بالمحبة وروح الضيافة، لكن أيديولوجية التقدم غيبتها عبر استبدالها بالمنافسة حول رموز. عندما تصل الأمور إلى اعتبار إنهاء المنهاج أهم من عافية البشر (الأطفال خاصة)، عندها يكون السكوت بمثابة جريمة ضد الأطفال. ’التعليم عن بعد‘ يسلب الأطفال مناعتهم وعافيتهم ويجعلهم فريسة سهلة لفيروسات من شتى الأنواع. مقابل هذا، يشكل التعلم وفق العافية أهم مكوِّنٍ للمناعة، مما يعني أن مسؤولية المرء أن يتعلم أهم من واجبه أن يدرس. 

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم   #الحكمة   #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

الخاطرة رقم 115: الوسيط… المحدِّد الرئيسي بالحياة… خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(3 كانون الثاني/ يناير 2021)

تغييب أهمية ومركزية الوسيط في الحياة يُسْهِم في عدم قدرتنا على رؤية ما يجري في الجذور. الوسيط هو محدِّد رئيسي بالحياة: هو المُهْلِك وهو الشافي، يعتمد على القيمة التي يحتكم بها: الاستهلاك أم العافية؟ ذكرتُ بخاطرة سابقة كيف اسرائيل لم تكترث بعقد مؤتمرات دولية بالقدس تنتقد إغلاقها للمدارس والجامعات وغيرها أثناء الانتفاضة الأولى (مؤتمرات تكلم فيها أشخاص مثل تشومسكي) بينما تعاملت بشراسة مع الشباب الذين كانوا يقومون بعمل ما ضروري عمله بالأحياء ضمن مجاورات (عُرِفَت بلجان الأحياء) كالتعلم والزراعة الجماعية وتدبير شؤون الحي (كالعناية بكبار السن). سألتُ  نفسي: لماذا لم تكترث اسرائيل ولم تعترض على عقد مؤتمرات دولية بينما تعاملت مع لجان الأحياء بقساوة شديدة؟ السبب الذي توصلتُ له في حينها يكمن في الوسيط. بينما الوسيط بالمؤتمرات مؤسسات ومهنيون، الوسيط بلجان الأحياء هم الشباب الذين أخذوا على عاتقهم تدبير شؤون الحي. أدى ذلك بي لكتابة مقال بجريدة القدس بعنوان ’حرية الفكر والتعبير أم تحرير الفكر والتعبير؟‘ كما أدى بي إلى تعميق قناعتي بأن المشكلات والأزمات التي نشهدها حول العالم (كالتي نمر بها بالنسبة لكورونا) لن تُحَلَّ بالجذور من قبل مؤسسات ومهنيين بل من قبل مجاورات. أساس المجاورات تحمُّل المسؤولية وحكم الذات في أمور معيشية ترتبط بالعافية كالتحكم بما يدخل الجسم والعقل والقلب والعلاقات؛ مجاورات مكونة من مريدين ومرادين يشكلون الوسيط الذي بإمكانه القيام بما هو ضروري في زمن كورونا وما بعدها. نحتاج لمؤسسات ومهنيين بنواحٍ تقنية تتعلق بالأغصان، لكن إذا أهملنا الجذور سينهدم ما نبنيه. كما احتاج السكاكيني لوضوح بالإدراك وجرأة بالتعبير قبل 125 سنة في وصفه وتعامله مع التعليم الذي جلبته جاليات غربية للقدس، نحتاج حاليا إلى وضوح وجرأة في التعامل مع التعليم زمن كورونا وما بعدها، مثل العمل وفق ’واجبي أن أتعلم أهم بكثير من واجبي أن أدرس‘، مما يعني أن التعلم عن قرب (القرب من أتربة تغذينا ونغذيها) أهم بكثير من التعليم عن بعد والذي يُمارَس بسذاجة حول العالم. نعيش فرصة نادرة لاستعادة العيش بوفرة، بما هو متوفر لدينا كأشخاص وطبيعة وثقافات وقدرات طبيعية كالتعلم، ومثل الأتربة المذكورة بأعلاه، والمجاورة كوسيط، والعافية والمسؤولية كقيم.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم   #الحكمة   #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

الخاطرة رقم 114: إذا لاحظت… خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(2 كانون الثاني/ يناير 2021)

إذا لاحظت أولادك يتعاطون كتبا مقررة بكثرة أو مأكولات سريعة أو علاقات مريضة أو يسعون نحو مكاسب رمزية… خذهم إلى الطبيعة، إلعب معهم، اطبخ معهم، إزرع معهم… غنوا معا، أرقصوا معا، إحكوا حكايات… خذهم إلى مكتبة أو مكان يبيع كتبا عبارة عن بيان وتبيين… احميهم من سطوة كتب مقررة لغتها صنمية فاقدة للحياة والمعنى، ومن سطوة مأكولات ضارة، ومن مقاييس خبيثة مُحَقِّرة، ومن السعي وراء رموز ضحلة مزيفة (خاصة من سطوة كلمات ومصطلحات وتصنيفات تبدو براقة لكن السموم تعشش فيها كتميز وتفوق ونخبة وتمكين وتقدُّم وتطوير وخدمة ومساعدة تتوافق جميعا مع فكر أحادي عالمي ومن منطلق فيه فوقية – أي ليس تبادليا). إحمِ الأتربة التي تغذيهم وتتغذى منهم. نحتاج لمؤسسات بأمور محدودة، مثل ما يتعلق بتكنولوجيا ومهارات ومعارف تقنية ونواحٍ كتنظيم السير بالمدن أو عندما يختل شيء بحياتك. تعامل مع علوم القبيلة الأورو-أمريكية بحذر وحكمة. إحمِ مركز ثِقَلِكَ كإنسان (وكذلك مركز ثقل كلٍّ من أولادك). عدم معرفتك لقدْر نفسك، يصبح مركزُ ثِقَلِكَ وَهْمًا كإنسان، مما يخلق أمراضا عقلية ونفسية وجسدية وإدراكية ووجدانية. ادعاء أحادية وعالمية المعنى والوسيط هو فيروس على صعيد العقل أخطر من كورونا على صعيد الجسد. ربما ينجح المرء بعالم الاستهلاك، لكن يعيش كعبد دون أن يعي ذلك؛ تتقاذفه الرياح دون أن تكون له رِجْلٌ ثابتة بالحياة. قول الإمام علي هام جدا في هذا المضمار: ’ما هلك امرؤٌ عرف قدْرَ نفسه‘ (وأود أن أضيف: ’ما هلك مجتمعٌ أو ثقافة أو أمة عرَفَت قدر نفسها‘).

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم   #الحكمة   #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة