تعيش منطقتنا مخاضات على أصعدة شتى تنبئ بولادة جنين من رحم حضارات عملت القبيلة الأورو-أمريكية عبر عقود على تمزيقها وتخريبها وتسميمها وانهيارها. نعيش مخاضات بإمكانها إعادة توليد حضارات طُمِسَت، لتَخْرُج كزهرة اللوتس من بين أوساخٍ وملوِّثات أغرقنا بها عصر التنوير بأدواته التي تمثلت بمفاهيم ونظريات وأوهام وخرافات نشرتها مؤسسات وخبراء تحكمهم قيم السيطرة والفوز والنهب وإقناع البشر بأن الماضي متخلف وولى زمانه – والذي يتمثل بأن شرب الماء ولى زمانه وتخلُّفٌ بالنسبة لشرب الكولا، وأن الحكمة ولى زمانها ومتخلفة بالنسبة لعلوم القبيلة الأورو-أمريكية، وأن التعلم ولى زمانه ومتخلف بالنسبة للتعليم النظامي والأكاديمي، وأن الكرامة ولى زمانها ومتخلفة عن المطالبة بحقوق، وأن العافية ولى زمانها ومتخلفة بالنسبة للتنمية التي بشّر بها الإرهابي الأكبر عبر التاريخ ’ترومان‘ الذي أمر بإلقاء القنبلتين على هيروشيما ونكازاكي دون أن يرجف له جفن. مقابل كل هذا أقترح ’البيان والتبيين‘ [عنوان كتاب الجاحظ قبل 1200 سنة] بمثابة القابلة/ الداية التي ترعى مخاض وولادة الجنين الذي يطلُّ برأسه من رحم حضارات. ضروري أن يعود البعد الحضاري (وجوهره الحكمة) النابع من الأتربة التي تغذينا ونغذيها كرؤية نستهدي بها في فكرنا وإدراكنا ومسعانا وبياننا وأفعالنا. الفترة التي نمر فيها بمنطقتنا مهيأة لاستعادة الأفق الحضاري. كورونا فضحت (كما لم يستطع أحد أن يفعل ذلك بنفس القوة) ضحالةَ وضيقَ أفق عصر التنوير وادعاءاته التي تفتقر للحياة والقلب والروح والحكمة والعافية وتعدد المعنى؛ فضيحة يمكن أن تسهم باستعادة ما غُيِّب. إلى جانب كورونا، فضح ترامب جوهر القبيلة الأورو-أمريكية. همجية الأيديولوجية التي سادت عبر قرون تظهر بوضوح حاليا كما لم يكن ممكنا سابقا.
أرشيف الوسم: خواطر
خاطرة …الإنسان والمثنى والمجاورة
عام 2007 دُعيتُ لأشارك في مؤتمر باليونيسكو حول التعدد الثقافي والحوار بين الثقافات:
[UNESCO conference “Towards Mainstreaming Principles of Cultural Diversity and Intercultural Dialogue in Policies for Sustainable Development”, Paris, May 21-23, 2007] وبعثوا لنا بورقة مفاهيمية لنستنير بها كتبَها فيلسوف فرنسي معاصر Roger-Pol Droit جاء فيها “جدَلٌ فلسفي قديم جدا يكمن بين الواحد والكثرة the one and the many”. يستعمل الشباب العربي حاليا تعبير ’كل حدا‘ ترجمة ل everyone. ’كل حدا‘ ليست تعبيرًا عربيا. لدينا كلمة ’إنسان‘ التي لا علاقة لها ب’حدا‘ بل هي نفسها مثنى – إنس/ إنسان – وبنفس الوقت تجسّد حقيقة أنها تنبع من مثنى: أب وأم. كل إنسان هو نتيجة تلاقح شخصين. بهذا المعنى لا يوجد رديف ل’إنسان‘ باللغات الأوروبية، وكذلك بالنسبة ل’مثنّى‘، وأيضا ل’مجاورة‘ (التي هي أفضل بكثير من كلمة كثرة كما جاء في الورقة المفاهيمية) – مما جعلني أقترح استعمال ’إنسان ومثنى ومجاورة‘ بمؤتمرين حول اللغة أحدهما بالمغرب، والآخر بإيران. هذه الكلمات الثلاثة تنبع من الحياة، من التربة المجتمعية الثقافية؛ وليس لها رديف باللغات الأوروبية بنفس المعاني العميقة باللغة العربية. هذه الكلمات الثلاثة تغذّي عافية الإنسان على الصعيد الثقافي المجتمعي الوجداني. أود أن أذكر شيئا غريبا حصل بتلك الجلسة باليونيسكو (ليس من صلب موضوع الجلسة لكن جدير بالذكر). عندما جاء دوري للتحدث، من بين ما قلتُه (ناظرًا بعينيّ الفيلسوف الذي كان يجلس بالصف الأول بالقاعة): “لك نظرتُك التي استمدَّيْتَها من لغتك وثقافتك، ولي نظرتي التي استمدَّيْتُها من لغتي وثقافتي، مما يجعل حوارنا عميقا وحقيقيا”. بعد 5 دقائق ترك ولم يعُد. بعد انتهاء الجلسة سألتُ مديرة المؤتمر (وهي ألمانية): لماذا ترك؟ قالت: ’تريد الحقيقة؟ صعب على فيلسوف فرنسي أن يقبل شخص من بلد كفلسطين يقول له: ’عندي شيء ما عندك إياه.
لننعم بالغنى والعمق والجمال المتوفرين باللغة العربية. ولنتساءل: لماذا مثل هذه الأمور المتوفرة بلغتنا وحضارتنا مغيّبة من مادة اللغة العربية بمدارسنا؟! بدلا من الجمال، وعمق وتنوع المعنى، ومنطق الأنماط بلغتنا، نركّز على النحو والصرف والقواعد، التي هي هامّة لكن يمكن أن يستوعبها الطفل عبر الأنماط المنطقية، والتي تمثّل قدرة فطرية لدى الأطفال، لكن مغيبة.
حول الإدراك والحكم على الأمور
عندما يصل الوضع بمكانٍ كلبنان إلى نقطة ننسى فيها كل الجرائم التي تمَّت (وما زالت) على يد القبيلة الأورو-أمريكية كتكوين طبقة تسرق شعوبها وتخدم رأسمالية دولية، وتُخرّب الأتربة التي يتغذى منها البشر والتي اتخذت منذ خمسينيات القرن الماضي شكلا جديدا يتمثّل بسرقة أموال شعوب عبر تلاعبٍ بعملات عبر بنوك عالمية و’وطنية‘ وعملاء محليين (تحميهم سويسرا وبريطانيا وأمريكا) – أقول، عندما يصل الوضع إلى حدٍّ نهمل فيه هذه العوامل في تخريب لبنان ويصبح سعر الدولار المعيار الوحيد لحكمنا وإدراكنا للأمور ومَن الظالم ومَن المظلوم، علينا أن نقلق كثيرا كبشر! أعود لأذكّر أن المسيح الفلسطيني، رسول المحبة والسلام، لم يذهب لهيئات ومنظمات دولية وخبراء كما هو مطلوب من اللبنانيين حاليا بل صَنَع سوطا من حبال (يو2: 13- 17) وطرد السارقين والمتلاعبين بحياة الناس وقَلَبَ الطاولات على رؤوسهم وطردهم من بيت الله. لو أنه بفلسطين الآن لفعَل نفس الشيء: قَلَبَ الطاولات على رأس البنك الدولي وصنع سوطا وطرَدَه من فلسطين ولبنان. بلغة الجاحظ، كان بيانُ المسيح الذي بيّن ما بداخله، سوطًا صنعه بنفسه. لذا، غريبٌ جدا أن صورة المسيح بالرسومات الغربية توحي بخنوعٍ وضعف!
سقط الإنسان مرتين: الأولى من جنة عدن إلى الأرض، والثانية من كونه إنسانا إلى كونه سلعة
السقوط الأول كان من ربنا سبحانه وتعالى، أما السقوط الثاني فهو من صُنْع القبيلة الأورو-أمريكية. نتيجة السقوط الأول أصبح الإنسانُ مسؤولا عن تصرّفاته وأفعاله. بالسقوط الثاني فقَدَ الإنسان مسؤوليته كليا وأصبح سلعة تتقاذفها الأسعار وأصحاب السيطرة والمتنفذين بحياة الناس؛ أصبح الإنسانُ رهينةَ عالَمٍ تحكمه همجية لم يعرف لها التاريخ مثيلا. مظهر لهذه الهمجية تقزيم قيمة الإنسان إلى رقم يقيسُ ترتيبَه على خطٍّ عمودي بالنسبة لإتقانه للببغاوية (إلى جانب مهارات تقنية). عشنا ظاهرة هذا السقوط يوم 16/ 8/ 2021 حين أُعْلِنَت نتائج التوجيهي (والحال ذاته بمعظم الدول). مقاييس تُشكّل احتقارًا للبشر وأصوليةً فكرية معرفية أحادية عالمية). حوالي 40% ممّن قدّموا الامتحان حصلوا على صفة فاشل/ ساقط/ راسب، صفة تبقى معهم ليوم يبعثون! لم يصل ابليس لدرجة الانحطاط هذه؛ انحطاط صَمّمته القبيلة الأورو-أمريكية. أوصى غاندي لخلاص الهند بكتابِهِ ’هند سواراج‘ (1909): ’إبعاد مدى الحياة كل شخص ينشر المدنية الأوروبية بالهند وهذا ليس كافيا للتكفير عن ذنوبه‘! انحطاط البشرية الذي نعيشه لم ينتج عن جهل بل عن تصميم وتخطيط وتنفيذ. المسؤولية تقع كليا علينا لانتزاعنا منه والعيش وفق رؤية أداتها الرئيسية المجاورة، وتتوافق مع عافيةٍ ترتبط بالأتربة المغذية، وتدرك الأمور ضمن أفق حضاري تكوَّنَ بفِعْلِ الحضارة العربية الإسلامية التي جَمَعَت لعدة قرون مساحة جغرافية امتدت من الهند وإيران شرقا حتى المغرب والأندلس غربا.
الخاطرة رقم 200: خواطر جديدة مستلهمة من غزة… استعادة أفق حضاري ينطلق من غزة… الجزء الخامس والأخير … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية
(10 آب / أغسطس 2021)
انتزعتنا غزة – ولعله الانتزاع الأعمق – من الميوعة الذهنية والكسل الفكري والخواء الروحي المتمثلة جميعا بتحويلنا إلى ببغاوات نعيد ببلاهة ما نقرأه ونسمعه من مصادر موبوءة، وفي المقابل ساهمت باستعادة حيوية ووضوح وجرأة وانتباه شديد لما هو متوفر فينا وحولنا واعتباره أساسا للبناء عليه؛ وذكرتني بأكثر الحركات التي ألهمتني في العصر الحديث: حركة أهالي ولاية تشياباز الأصليين بجنوب المكسيك الذين بعد 500 سنة قاموا بحركة ملهمة إلى أبعد الحدود ضروري على كل من يشعر بيأس أن يقرأ قصتهم والتي يمكن الوصول لها عبر طباعة Zapatistas على غوغل.
#Munir_fasheh #منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة #العيش_بأمل #تعلم #mujaawarah # تنمية_مستدامة #الحكمة #التعلم_قدرة_عضوية #التعلم_خارج_المدرسة
الخاطرة رقم 199: خواطر جديدة مستلهمة من غزة… استعادة أفق حضاري ينطلق من غزة… الجزء الرابع … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية
(7 آب / أغسطس 2021)
ذكرت بخاطرة سابقة مظهر للانهيار تمثّل بالإنحدار من الحكمة (بيت الحكمة ببغداد) إلى ادعاء امتلاك الحقيقة (شعار جامعة هارفارد) والذي وصل بلادنا عبر ’دانيال بلس‘ حيث قال بخطابه يوم تدشين أول بناء بالجامعة الأمريكية ببيروت عام 1871:
‘…it will be impossible for anyone to continue with us long without knowing what we believe to be the truth’.
ليس ادعاء الحقيقة هو الخطر بل خَلْق أدوات لفرضها، وهذا ما نجحت فيه القبيلة الأورو-أمريكية. مأسسة الدين والتعليم ساهم بانهيار حضارات حيّة واستبدالها بدول قومية ذات حدود قاسية مزّقت الأنسجة في المجتمعات وبين الثقافات. اختراع أدوات للسيطرة، وطمس الحكمة والروحانيات، سَلَبَ القبيلة المناعة الذاتية فاعتمدت على قواعد عسكرية وعلى أحصنة طروادية في السيطرة على العالم. توجد حاليا أكثر من 800 قاعدة عسكرية أمريكية حول العالم، كما شكّل التعليم النظامي والتنمية أنجح الأحصنة الطروادية بيد القبيلة. عشتُ ببيتنا تخريب الدين الفطري والتعلم كقدرة عضوية اللذين تمثلا بشكل صارخ بعالم أمي التي لم تعرف الأبجدية ولا معارف مؤسسية بل تعلمت عبر أتربة حيّة حقيقية متعافية. ساعدها في ذلك أن الكنائس التي كانت لها علاقة بهم هي الارثوذكسية (حيث اليونانية كانت اللغة الرئيسية) والبروستانتية (حيث الانكليزية مرجع المعاني). أي، كانت أمي محصّنة ضد سلطة الاثنتين: المسيح الذي عرَفَتْهُ هو المسيح الفلسطيني، والرياضيات التي عرفتها (الهندسة المعقدة التي كانت تمارسها عبر خياطة ملابس للنساء) لا يمكن تعلمها عبر إقليدس وديكارت ورَسِلْ وغيرهم، بل عبر أصابعها التي كانت تربط عقلها ومخيلتها وجسم المرأة وقطعة القماش في عملٍ فنيٍّ رائع – خلطة من أتربة حيّة مغذّية. انتزعني عالمُها من حالة التخدير والوهم والعجرفة التي اكتسبتُها بمؤسسات تحكمها قيم السيطرة والفوز والكسب، وأعادني إلى علاقة حية مع الأتربة التي تغذي الإنسان. تنتزعني غزة اليوم، في صراعنا من أجل البقاء والعيش بكرامة، من حالة التخدير والوهم والعجرفة التي تشلّ البشر وتمنعنا من معرفة قَدْر أنفسنا، واستعادة الكرامة والصبر والإيمان والتعلم كجوهر الحياة، واستعادة إنسانية خارج إملاءات المدنية المهيمنة. شفاني عالم أمي من كوني جنديا كولونياليا سلاحي الرياضيات، وغذاني من أتربة حية متعافية. أول مقال كتبتُه حول الدين ونُشِرَ بكتاب القس ’نعيم عتيق‘ Faith and the Intifada, Orbis Books (1992)
وأول مقال كتبته عن رياضيات أمي نُشِر في Harvard Educational Review (Feb 1990)
في أيار 2021 عمّقت غزة انتزاعي من أمراض وأوهام وخرافات القبيلة الأورو-أمريكية وفتحت أبوابا ونوافذ كانت مخفية، امتدّت لتحتضن أفقنا الحضاري المغيّب.
#Munir_fasheh #منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة #العيش_بأمل #تعلم #mujaawarah # تنمية_مستدامة #الحكمة #التعلم_قدرة_عضوية #التعلم_خارج_المدرسة
الخاطرة رقم 198: خواطر جديدة مستلهمة من غزة… استعادة أفق حضاري ينطلق من غزة… الجزء الثالث … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية
(4 آب / أغسطس 2021)
انحدار البشرية بدأ بمأسسة المسيح قبل 17 قرنا وفق الادعاء أن من غير الممكن فهم رسالة المسيح ودخول الجنة إلا عبر مؤسسات ومهنيين مرخّصين. هذا المنطق انتقل بتفاصيله بعد 1200 سنة إلى التعلم حيث ادعى االذي يُعْتَبَر أبو التعليم النظامي ’كومينيوس‘ أن “من يتعلم دون تدريس هو أقرب للحيوان منه للإنسان”، أي لا يستطيع دخول ’جنّة‘ المعرفة! بعبارة أخرى، لا مجال لأحد أن يصبح مؤمنا أو متعلما دون بوابة المؤسسات. قُضِيَ على الإيمان والتعلم كقدرتين فطريتين بالإنسان وهبهما الله لكل مخلوق. لهذا استعملتُ تعبير ’انحدار البشرية‘ في بداية هذه الخاطرة. ملخّص مكونات الانحدار: مأسسة نواحٍ جوهرية بالحياة يؤدي إلى تخريبها؛ نشر الادعاء بأن هناك مسارا أحاديا عالميا للتعلم والتقدم ووجود معنى أحادي عالمي للكلمات تحكمهما مؤسسات مرخصة (ادعاءٌ يشكل الأصولية الأخطر والأكثر تخريبا‘). في أيار شطبت غزة هذه المكونات وساهمت بقوة في شفاء البشر من خرافات القبيلة الأورو-أمريكية – عبر التعلم الهائل الذي لاحظناه بغزة، وعبر الصبر والإيمان اللذين تجسدا فيها، وعبر العيش بأمل وما هو متوفر، طريقنا للمستقبل.
#Munir_fasheh #منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة #العيش_بأمل #تعلم #mujaawarah # تنمية_مستدامة #الحكمة #التعلم_قدرة_عضوية #التعلم_خارج_المدرسة
الخاطرة رقم 197: خواطر جديدة مستلهمة من غزة… استعادة أفق حضاري ينطلق من غزة… الجزء الثاني … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية
(3 آب / أغسطس 2021)
على الأغلب، سارت عائلتي طريق المسيح منذ وطِأت قدماه أرض فلسطين الطيبة وانتقلت روح رسالته عبر ألفي سنة من جيل إلى جيل حتى وصل العائلة التي ولدتُ فيها وعشت في كنفها، ولم تنقطع إلا عندما احتلت بريطانيا ’المسيحية‘ فلسطين وشرّدت أهلها. أنا آخر ذكر من عائلة ’فاشه‘ بفلسطين. لي أخت وابنة عم تحملان اسم ’فاشه‘. بموتنا تختفي العائلة من فلسطين؛ تمّ ذلك عبر بريطانيا وأمريكا. أولادي ممنوعين من العيش بفلسطين. لكني أشعر وبعمق أن شبان وشابات غزة بمثابة أبنائي وبناتي الذين سيكملون المشوار وتستمر العائلة بفلسطين عبرهم. أود هنا أن أذكَر بثلاثة أمور ترتبط بالمسيح الفلسطيني. الأول، يصف الفلسطينيون المسيح بالفادي، واختارت منظمة التحرير هذه الصفة للمقاومين: فدائيون. يطلق الغرب صفة ’المخلص‘ والذي يتوافق مع الصورة التي سعوا لنشرها بأنهم مُخَلِّصوا البشرية! هكذا رأى ’دانيال بْلِسْ‘ نفسه عندما قَدِمَ إلى لبنان بالأربعينيات من القرن 19 ليخلّص أهلها عبر تبنيهم مسيحيته؛ لكن فشل. عاد إلى أمريكا وبعد 20 سنة عاد إلى لبنان يحمل ’دين‘ الغرب الأكثر أصولية: التعليم بشقيه النظامي والأكاديمي، ونجح نجاحا باهرا؛ وما زلنا نعتبره مخلّصًا!! الأمر الثاني حدَثَ حين كان تلامذة المسيح يتكلمون بالقدس عن الظلم القائم مما دعا موالين للسلطة بإسكاتهم، إذ قالوا له: يا معلم انتهر تلاميذك. أجاب: أقول لكم ’إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ!‘ صرخت الحجارة مرة أخرى بعد ألفي سنة خلال الانتفاضة الأولى ولم يُسْكِتْها إلا أوسلو والبنك الدولي. الأمر الثالث حدَثَ عندما اقترب المسيح من القدس ونظر إليها وبكى قائلا: ’أنك لو علمت أنت ايضا حتى في يومك هذا ما هو لسلامك. ولكن قد اخفي عن عينيك. أنه ستأتي أيام يحيط بك أعداؤك ويحاصرونك ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون حجرا على حجر لأنك لم تعرفي زمان افتقادك‘. ثم دخل المسيح الهيكل ووَجَدَ فيه الصيارفَ جلوسا. صنع سوطا من حبالٍ وطرد الجميع من الهيكل وكبَّ دراهم الصيارف وقلب موائدهم؛ قائلا: بيتي بيت الصلاة؛ جعلتموه مغارة لصوص.
ما أشبه اليوم بالأمس! مثّل المسيح قبل ألفي سنة ضمير البشرية، وتُمَثِّلُ غزة اليوم ضمير البشرية – لهذا تتكالب عليها اليوم امبراطوريات تسعى إلى صلبها.
#Munir_fasheh #منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة #العيش_بأمل #تعلم #mujaawarah # تنمية_مستدامة #الحكمة #التعلم_قدرة_عضوية #التعلم_خارج_المدرسة
الخاطرة رقم 196: خواطر جديدة مستلهمة من غزة… استعادة أفق حضاري ينطلق من غزة… الجزء الأول … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية
(2 آب / أغسطس 2021)
رافق صعودَ مدنية القبيلة الأوروبية قبل 5 قرون انهيارٌ حضاري بقاراتٍ داست أوروبا أراضيها. بين روما (التي اختطفت في القرن الرابع المسيح الفلسطيني من قلوب وبيوت الناس ووضعته على قاعدة تمثال بخدمة الامبراطورية) وحتى هيمنة واشنطن الحالية، اقتَرفَت أوروبا باسم المسيح جرائم لا تُعَدّ ولا تُحصى، تَمَثَّل آخرها ببوش وترامب وبومبيو الذين بكل وقاحة ادّعوا أن حروبهم من وحي الانجيل!
Bush claimed he was told by God to invade Iraq
أسوأ الجرائم التي اقتُرِفت تحت راية الصليب كانت غزو القارات الأمريكية وأستراليا ونيوزيلندا وقضاء شبه تامّ على شعوبها وحضاراتها؛ سُفِكَت دماء ملايين البشر. الوحيد الذي كتب عما رآه من همجية وجرائم بأمريكا خلال الستين سنة الأولى من الغزو (هام جدا قراءة الكتاب):
Bartolome de Las Casas, A Short Account of the Destruction of the Indies (published in 1552)
لم تسلم آسيا وأفريقيا من الغزو الأوروبي إذ تمّ قتل وتدمير ونهب ما استطاعت أوروبا إليه سبيلا. عادت بريطانيا نهاية 1917 إلى فلسطين ومهّدت الطريق لتشريد أهاليها، كنت أحدهم وأنا بعمر 7 سنوات. ما زالت همجية القبيلة الأورو-أمريكية تجتاح العالم باسم المسيح، حيث وصل الدمار والقتل والتهجير إلى درجة لا تُحْتَمل، وما زال قائما حتى الآن.
في أيار 2021 انتزَعَتْنا غزة من حدود دويلات هزيلة مصنعة، واستعادت الأفق الحضاري كأساس ومرجع ومعيار، حيث هبّت شعوبٌ من بلدان مختلفة لنصرة غزة ضمن أفق حضاري مركزه فلسطين. لذا، ضروري انتزاع أنفسنا كمسيحيي بلاد الشام من قبضة الامبراطورية والسعي لإعادة جدل نسيج مع أفقنا الحضاري، الذي وسّعته غزة ليشمل بلدانا بأمريكا الوسطى والجنوبية.
#Munir_fasheh #منير_فاشه #مجاورة #خواطر #الطبيعة_الشافية #احتلال_و_عودة #العيش_بأمل #تعلم #mujaawarah # تنمية_مستدامة #الحكمة #التعلم_قدرة_عضوية #التعلم_خارج_المدرسة