إلى الصديقات والأصدقاء والمتابعات والمتابعين

أجد نفسي منغمس في كثير من الأمور التي يتعلق معظمها بانتزاع أنفسنا من فيروسات تدخل عقولنا عبر كلمات تبدو جذابة على السطح ومفيدة وذا نوايا حسنة إلا أنها تنخر فينا بالعمق وتخربنا وتهزمنا من الداخل، وبالتالي أشعر بنوع من الإرهاق مما يضطرني التوقف عن كتابة خواطر مدة أسبوعين وأعود لمتابعتها في 1/ 11 / 2020. أتمنى أن نمر جميعا خلال الأسبوعين بخبرات مليئة بالأمل والعافية وشفاء من مثل هذه الفيروسات، والذي يتطلب من كل شخص أن يفعل ذلك شخصيا أو عبر مجاورات. وأشعر أن الحاجة إلى راحة ينطبق أيضا على ‘ريف’ المنغمسة أيضا في كثير من الأمور، إذ يتطلب ترتيب الخواطر بالشكل الجميل الرائع الذي تقوم به إلى وقت وجهد يومي مرهق. جزيل الشكر والتقدير لها ولروحها المعطاءة.إلى اللقاء بعد أسبوعينمنير

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم   #الحكمة   #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

رقم 75: الهُوِيّة ومعرفة الذات… خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(14 تشرين أول / أكتوبر 2020)

كلام كثير عن الهُوِيَّة حيث نتعامل معها كأنها رديف identity وهذا غير صحيح. هُويّة تبدأ ب‘هو’ بينما identity تبدأ ب ‘I’ أي ب‘أنا’ – عالمان مختلفان جذريا؛ اختلافٌ يعكس ناحية هامة جدا: الكلمة الانكليزية تتمحور حولي أنا ك individual لا علاقة لي بمن وما حولي، بينما الكلمة العربية تتضمن أن هُويتي لا تكتمل إلا بوجود هو وهي بحياتي. هناك ثلاثة أسئلة يمكن أن يسألها كل شخص لنفسه، تساعده للتوصّل لهُويّته بالجذور: ماذا أُحْسِن (بمعاني يحسن العديدة بالعربية: الإتقان والجمال والنفع والعطاء والاحترام)’؟ وماذا أبحث عنه في حياتي؟ وما يمثّل الثابت بحياتي؟ أسئلة نابعة من أفقنا الحضاري: الأول من قولٍ للإمام علي ‘قيمة كل امرئ ما يحسنه’؛ والثاني والثالث من أقوال للرومي: ‘أنت ما تبحث عنه’ وتأكيده بأن حياة الإنسان حتى تكتمل هي كفرجار: رِجْلٌ ثابتة ورِجْلٌ متحركةٌ. هذه الأسئلة ترتبط بجذور معرفة الذات، التي تكوّن هُويّة الشخص بالعمق. يقول النفّري: ‘إعرف من أنت فمعرفتُك من أنت، هي قاعدتُك التي لا تنهدم وسكينتُك التي لا تزلّ’. صياغة شخص لسيرته دون استعمال كلمات مؤسسية ومصطلحات مهنية وتصنيفات أكاديمية تُسْهِم في معرفة ذاته. خطوة أولى للشفاء تكمن بانتزاع أنفسنا من هكذا مصطلحات وتصنيفات كمرجع، واستعادة كلمات تستمد معانيها من الحياة والتأمل والاجتهاد والحضارة والطبيعة.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم   #الحكمة   #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

رقم 74: متابعة خاطرة رقم 68 حول أنواع التربة … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(13 تشرين أول / أكتوبر 2020)

أكثر ما يهدد البشرية والحياة والطبيعة هو ليس فيروس كورونا بل ‘فيروس’ العيش بترف وفيض وجشع والذي يتضمن الهدر. الترف هو الخطر الأكبر على المناخ والمُسَبِّب الرئيسي للحروب وتخريب كل ما هو طبيعي وقادر على توليد ذاته. أعني بالترف ما نشهده في معظم الدول حول العالم حيث نسبة ضئيلة جدا تعيش بترف غير مسبوق بينما الباقون بالحضيض، والذي نبّهت له حركة ‘احتل وول ستريت’ occupy wall street  التي ألهمها ميدان التحرير بالقاهرة، فرفعوا في ‘نيويورك’ لافتة the maydan is here، لخّص مكونوها حركتهم ب”نحن ال 99%”. أود أن أؤكد مرة أخرى: الترف والجشع يشكلان العدو الأكبر للحياة والطبيعة. أُومِن بكل قوة وقناعة أن الحل يكمن ليس في لقاحات مزيفة سطحية (مثل تنمية مستدامة وتقدُّم) بل بالعودة إلى دورة الحياة والقدرة على توليد الذات، إذ هناك تكمن الاستدامة الحقيقية في الجذور – تكمن حول حماية واستعادة الأنواع الأربعة من التربة التي تغذينا والتي ذكرتُها في الخاطرة رقم 68. حماية أنواع التربة والعيش وفقها ما يمكن أن ينقذ البشرية. العيش وفقها يشكّل نقيض العيش بترف وفيض وجشع. يتطلب هذا قلب الأمور في عقولنا وإدراكنا وأفعالنا وعلاقاتنا وفي القيم التي تحكم حياتنا. مما يعني بالضرورة تحوُّلا في نظرتنا وتعاملنا مع الاقتصاد بوجهٍ خاص، والذي ربما يكون الأصعب. ربما ينظر البعض إلى ما أقوله كأنه عودة إلى الوراء. في الحقيقة، ما أقوله هو عودة إلى عمق ما يحمي الحياة والبشر من الفناء. كتبتُ عام 2008 مقالا بجريدة ‘الحال’ بجامعة بيرزيت بعنوان ‘نموّ رام الله… هل فيه حكمة؟’ حيث كان من الواضح أن البنك الدولي كان يحفر ترفا زائفا يخلخل ما فيه عافية للناس والمجتمع، بما في ذلك تخريب أنواع التربة المذكورة.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم   #الحكمة   #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

رقم 73: فيروس ´الربح المركب´ … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(12 تشرين أول / أكتوبر 2020)

الربح المركب يُدَرَّس بالمدارس حول العالم في مادة الرياضيات عبر معادلة يطبّقها الطلبة دون ذكر أي شيء آخر مثل أنه مسبِّبٌ رئيسي لما نشهده من همجية وتخريب حول العالم. لو وضعنا مبلغ 10 دولارات في بنك بسعر فائدة 5% سنويا لمدة 200 سنة، يصبح المبلغ وفق الربح البسيط 110 دولارات؛ بينما وفق الربح المركب بنفس المواصفات يصبح 173 ألف دولار! من هنا، ضروري التمييز بين رأس المال كأداة يمكن أن تسهّل التعامل بين البشر، وبين الرأسمالية بمعنى التراكم الأسي لرأس المال الذي يشكل مصدرا رئيسيا للهمجية التي نشهدها حول العالم.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم   #الحكمة   #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

رقم 72: جَدَل… وجَدْل … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(11 تشرين أول / أكتوبر 2020)

جَدَل ترتبط في أغلب استعمالاتها بعقلٍ ذكي لا ترافقه حكمة بالضرورة، فالهدف عادة هو أن يتفوق رأيٌ على آخر. بالمقابل، جَدْل ترتبط بجدْل أنسجة على أصعدة شتى، صعيد القلب والعقل والحكمة والعافية والوجدان والطبيعة الشافية، وأيضا مع من وما حوله.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم   #الحكمة   #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

رقم 71: تدريب المعلمين … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(10 تشرين أول / أكتوبر 2020)

تكلّمتُ في الخاطرة 67 عن كيف تعبير ‘جودة التعليم’ يتعامل مع التعليم كسلعة. في هذه الخاطرة أود أن أذكر التخريب الخفي في النظرة للمعلم حيث يتضمن دونية في إدراكنا له. عندما كان عمري 11 سنة (1952)، كان خالي يعمل ميكانيكي سيارات في مركز مفوضية هيئة الأمم بالقدس. في يوم، جاء ومعه شخص أمريكي من المفوضية، وكان معه كلبٌ ضخم. خفت من الكلب وهربت بعيدا. ناداني صاحب الكلب وقال: لا تَخَف، فالكلب مدرَّب (بالإنكليزية  trainingلا زلت أذكر الكلمة لأني اعتقدت أنه أحضر الكلب في قطار). لكن سرعان ما فسّر ذلك برمي قلم وطلب من الكلب أن يُحْضِره، ففعل. ثم قال للكلب: انبطح؛ انبطح. ثم أمره برفع رجلتيه بالهواء؛ رفع. ثم استعمل كلمة لا أذكرها لوصف الكلب، ترجمها خالي بأنه كلب مربى. غابت كلمة تدريب لفترة طويلة ثم عادت للظهور في أوائل عقد السبعينيات لكن بعلاقتها بالمعلمين. كلمة ‘معلم’ تشير إلى شخص يتأمل فيما يفعله ويكوّن معنى له، ويشارك آخرين به. من هذا المنطلق، أقرب كلمة بالانكليزية لكلمة ‘معلم’ هي professor بمعناها الحرفي a person who professes what is within him/ her أي، شخص يقول جهارة ما يشعر به في داخله. فَقَدَتْ الكلمة الانكليزية معناها الجميل وأصبحت تشير إلى رتبة، حيث لا يعني الشخص ما يقوله ولا يقول ما يعنيه بل يقول ما هو متوقع منه أن يقوله والذي لا يعكس بالضرورة ما يشعر به في داخله.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم   #الحكمة   #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

رقم 70: لماذا الحكمة دائما مغيبة؟ … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(9 تشرين أول / أكتوبر 2020)

اضطلعتُ حديثا على عدة أحداث بالمنطقة العربية اخترت منها ثلاثة: (1) مؤتمر ´نُقاط´ بالكويت (نوفمبر2019): ´موطن العقل المطاطي´ State of the Elastic Mind: New Mindset for Old Barriers؛ (2) كتاب إلكتروني صدر حديثا عن مؤسسة WISE بقَطَر’ بالتعاون مع Salzburg Seminar  بالنمسا بعنوان: Education Disrupted, Education Reimagined شارك فيه أكثر من 40 شخصا؛ (3) مؤتمر افتراضي نظّمته مؤسسة BuildPalestine مقرُّها برام الله أول أكتوبر 2020: ´الابتكار المجتمعي والتخيل المغاير´. ما هو ملفت للنظر فيها جميعا تغييب أهم ما ميز الحضارة العربية الإسلامية في أوجها: الحكمة، التي جدلَتْ نسيجا غنيا جميلا بين حضارات من الهند وأفغانستان حتى فاس والأندلس عبر 7 قرون. كيف نفسّر إصرارنا على تغييب الحكمة، رغم أنّ ما تُذَكِّرنا به جائحة كورونا و´جورج فلويد´ واستمرار سيطرة التراكم الأسي لرأس المال على الحياة هو أَنْ لا أمل لبقاء البشر واستمرار الحياة على الأرض دون استعادة الحكمة في الحياة؟! لماذا كما يظهر ما زلنا نحتذي بحذاء الغير عبر كلمات ذات معانٍ ومرجعيات مهيمنة رغم أن ´خليل السكاكيني´ قبل 124 سنة حذّرَنا من ذلك لأنها كما ذَكَرَ تُجَسِّد إذلالا؟ لماذا نرى الخراب والتخريب الذي جاءت به الجاليات والاستعمار الغربي على شتى الأصعدة بينما لا نرى التخريب الأخطر والأعمق للعقل والمعرفة والإدراك الذي جرى بشكلٍ خفي عبر غزو العقول بلغة مصنّعة موبوءة، لغة الكتب المقررة والمصطلحات المؤسسية والتصنيفات الأكاديمية؟ ذكرتُ في خواطر سابقة أن هذا حدث عبر تصميم وتخطيط وتنفيذ. من الصعب ذكر شيءٍ في الحياة لم يُخَرَّب… ما نحتاجه ليس لقاحات تشفينا مؤقتا على صعيد المظهر بينما فيروسات خفية تنخر فينا بالجذور وعلى رأسها مفهوم العلم كما عرّفه أبو العلم الحديث ´فرانسيس بيكن´: ´قهر وإخضاع الطبيعة وخلخلة أسسها´، وكما عبّر عنه ´دارون´ البقاء للأصلح مما برّر قتل أضعف لكن أهمّ مخلوق: دودة الأرض، أهم المخلوقات لعافية تربة الأرض وبالتالي لعافية الإنسان والمجتمع. لا نحتاج إلى تغيير جذري وتخيّل مغاير وعقل مطاطي وتطوير وتنمية مستدامة وتخيُّل مختلف للتعليم الرسمي والأكاديمي بل العودة إلى الطبيعة الشافية (وفق ابن سينا) حيث نُخْضِع عقولنا للطبيعة بدلا من إخضاع الطبيعة لعقولنا المرتبطة منذ قرون بجشع وفوز وسيطرة كقِيَم تحكمنا. ´اللقاح´ الذي نحتاجه هو التوقُّف عن كوننا ببغاوات ونسخا عن أصلٍ عاث فسادا وإفسادا بما فيه الكفاية على مدى قرون؛ ما نحتاجه هو استعادة الحكمة والعافية والمسؤولية والتعددية كَقِيَم نحتكم بها في أفكارنا وأقوالنا وأفعالنا وعلاقاتنا. ما أفعله حاليا، بدءا بالأردن، هو ربط التربية بأنواع التربة التي تغذينا: الأرضية والثقافية والمجتمعية والوجدانية. نحتاج إلى أن نقوم من مرقد طبيعة مزيفة جلبتها لنا رياح غربية شمالية، وبدلا منها نستنشق رياحا شرقية جنوبية روحية.

كتبتُ ما كتبتُه بأعلاه لأن أقصى ما يمكن أن أفعله هو أن أحكي حكايتي بصدق مع التعلم والتعليم عبر ثمانية عقود، وما يتعلق بهما من مكونات الحياة. أكتب لشعوري العميق بصدق ما يقوم به الشباب (بما في ذلك من هم بالكويت وفلسطين وقطر وأعرف بعضهم شخصيا؛ حتى في سالزبورغ سمينار حيث كنت متحدثا رئيسيا مرتين). لا أدّعي كما أؤكد دوما أن ما أقوله هو الحقيقة الأحادية العالمية بل ما توصلتُ له عبر تأمّل فيما مررت به واجتهادٍ في تكوين معنى ومعرفة وفهم بناء على ذلك. ما أؤكده بقوة أني منذ حرب 1967 رفضتُ أن أكون ببغاء أو نسخة عن أحد. ما أقوله هو بيان يبيّن بصدق ما اختلج ونما ونضج بداخلي عبر الثمانية قرون الماضية. وكل ما أطلبه من الشباب أن لا يكونوا ببغاوات ونسخا عن أحد بل يلاحظوا ما يجري داخلهم وحولهم مع انتباهٍ شديد للواقع والمقومات الذاتية الموجودة فيهم كأشخاص ومجتمعات وثقافات وأن يبنوا عليها كأساس. ما لدينا هائل لكن مُغَيَّب. فكما ذكرتُ بخواطر سابقة، التخلف لا يعني أنه ليس لدينا ما نحتاجه بل عدم وعينا لما لدينا، وهو هائل. الرؤية التي أعمل وفقها تتكون من كلمتين: مجاورة وعافية؛ المجاورة كاللبنة الأساسية بِبُنْيَة المجتمع، والعافية القيمة المظلية التي نحتكم بها.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل   #تعلم   #الحكمة #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

رقم 69: إلزام الحكومات بتوفير تعليم وعدم إلزامها بتوفير ماء نقي! لماذا؟ … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(8 تشرين أول / أكتوبر 2020)

كيف نفسر إلزام كل الحكومات بتوفير تعليم لكل الأطفال وعدم إلزامها بتوفير ماء نقي لكل الأطفال؟ هل يعكس هذا التوجه حكمة؟

عالم الاستهلاك مقابل عالم العافية… هذا ما أراه معيارا لفهم ما يجري، وللحكم على ما نفعل. الوضع في العالم يتطلب أن نميز بين ما يخدم الاستهلاك وما يتوافق مع العافية.

إذا فكرنا بالسؤال المطروح، من خلال هذا المعيار، نرى أن الأنظمة التعليمية التي سادت في العالم منذ 300 سنة على الأقل، وبدون استثناء، لا تسير فقط وفق قيم السيطرة والفوز ولا تخدم فقط نمط الاستهلاك في العيش وإنما تهيئ الأطفال والطلبة – خلال 12 سنة – لاكتساب أنماط في الفكر والإدراك والعيش تتوافق مع هذه القيم ومع نمط الاستهلاك. فتحويل المعرفة إلى سلعة، تُشترى وتُباع، وتحويل الإنسان إلى مالك ومستهلك لها، وتحويل قيمة الإنسان إلى شهادة تحدّد “سعره” في السوق، وفصل المعرفة عن الحياة… تشكل جميعا عناصر أساسية في نمط الاستهلاك في العيش. في المقابل، الماء مرتبط بالعافية، بل لعله أهم عنصر بالنسبة لعافية الأطفال. بعبارة أخرى، يرتبط توفير الماء بعافية الأطفال بينما يرتبط توفير التعليم بالسيطرة والفوز ونمط الاستهلاك. وبما أن العالم المعاصر يحكمه نمط الاستهلاك، يمكن أن نفهم لماذا هناك قوانين تلزم الحكومات على توفير تعليم للأطفال بينما لا توجد قوانين تلزم الحكومات على توفير ماء نقي لهم. فكلا الحالتين – فرض نفس المنهاج والمقياس، وعدم فرض قانون يوفّر ماء نقيا – يخدمان الاستهلاك. في الحالتين، العافية غائبة: العافية النفسية والعقلية غائبة نتيجة فرض نفس المنهاج والمقياس، والعافية الصحية غائبة نتيجة عدم توفير ماء نقي.

بالرغم من أن التعليم والماء يُعتبران في الاتفاقات الدولية حقّين من حقوق الأطفال، إلا أن هناك فرقا هاما بالنسبة لتعامل الاتفاقات مع الحقين. ويكمن هذا الفرق في أن التعليم حق ملزم على الحكومات بينما الماء حق غير ملزم. كل الحكومات ملزَمة بتوفير تعليم ولها الصلاحية لملاحقة الذين يتخلفون عن إرسال أطفالهم إلى المدارس، بينما لا توجد اتفاقات تلزم الحكومات على توفير مياه نقية لكل الأطفال وملاحقة من يسرقها منهم. 

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة   #العيش_بأمل   #تعلم  #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

رقم 68: أنواع التربة التي نتغذى منها كأشخاص ومجتمعات … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(7 تشرين أول / أكتوبر 2020)

لا أدري فيما إذا ربط العرب القدماء بين تربية وتربة، لكني أرى أن ربطهما بالوقت الحاضر، خاصة خلال جائحة كورونا وبعدها، هامٌّ جدا على شتى الأصعدة، وإدراكٌ آخر لمعنى تربية وتعلُّم وتعليم. كما أقول دوما، حتى نفهم المدنية المهيمنة علينا أن نبحث عما تُغيّبه وليس فقط عما تُظهره. أخطر ما تغيّبه برأيي أنواع التربة التي تغذي البشر: التربة الأرضية والتربة الثقافية والتربة المجتمعية والتربة الوجدانية – مغيَّبة جميعا من التعليم المدرسي والأكاديمي كأساس. أنواع التربة هذه هي أساس المناعة والمعنى وبناء معرفة والتغذية وجدل أنسجة، وبالتالي أهم عامل في مقاومة فيروسات على أصعدة شتى (العقل والجسد والإدراك والنفس والعلاقات). لماذا هي مغيّبة رغم أنها المكونات الأساسية للحياة؟ لأن تغييبَها ضروري للتراكم الأسي لرأس المال. عافية البشر والمجتمعات تتناقض مع هذا التراكم. بعبارة أخرى، أنواع التربة هذه تشكل اللقاح ضد شتى أنواع الفيروسات الحديثة. جائحة كورونا أعادت بقوة وإلحاح ضرورة الاهتمام بأنواع التربة هذه، فهي مصدر المناعة وهي مكونات الحياة. عندما يسأل البعض: ما هو البديل للتعليم ومواد التدريس؟ أقول: أنواع التربة التي نتغذى منها، حيث ما نحتاج له من مواد حالية (كاللغة والرياضيات والعلوم والتاريخ والجغرافيا والفنون والآداب إلى آخر ما هنالك من معارف) تدخل بشكلٍ طبيعي عند حاجتنا لها. بدأنا منذ أول أكتوبر بالسير على هذا الطريق بمراكز الأميرة بسمة التي يبلغ عددها 52 الموزعة في جميع أنحاء الأردن. إذا تبنّتْ مجموعات أخرى أنواع التربة كأساس ومرجع ومعيار في فكرها وبيانها وأفعالها وعلاقاتها، عندها نبدأ ببناء زخم ليس عبر تخطيط بل عبر مجاورات تنتقل حيويتها بشكل طبيعي إلى من حولها تماما كما تنتقل حيوية الخميرة بالعجين. لم يعد الوضع يتحمل الاستمرار بالميوعة الراسخة بالمؤسسات عامة، والتعليمية بشكل خاص، مثل الاعتقاد بأن التعلم ينتج عن تعليم، بينما هو قدرة موجودة فينا منذ الولادة. العالم على أبواب عهد جديد، في حالة مخاض، بينما التعليم النظامي والأكاديمي يغطّ في سبات عميق، يضع رأسه كالنعامة في الرمال، لا علاقة له بما يجري حوله من زلازل في عمق الحياة ويصرّ على إنهاء المنهاج وكأنه إله! استعادة المسؤولية للقيام بما ضروري القيام به، كلٌّ ضمن سياقه، وحيث تُجْدَلُ باستمرار أنسجة فيما بينهم، تشكل التحدي الأهم. تمثل هذه المسؤولية حكم الذات على الصعيد الشخصي والمجتمعي. التخلف لا يعني أنه ليس لدينا ما نحتاجه بل عدم وعينا لما لدينا، وهو هائل لكن مغيب. ينطبق هذا على كل المجتمعات. أهم ما يملكه كل مجتمع أنواع التربة التي ذكرتُها بأعلاه، والتي يشير لها الرومي بالجذور والساق الثابتة بحياة الإنسان والمجتمع. تشكل المجاورات اللبنة الأساسية في سعينا للعيش وفق أنواع التربة.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل  #تعلم  #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة

رقم 67: جودة حذاء وجودة التعليم … خواطر مستلهمة من الطبيعة الشافية

(6 تشرين أول / أكتوبر 2020)

عندما كنت في ريعان الصبا، كان هناك دكان بوسط رام الله لبيع أحذية ‘باتا’، شركة عالمية معروفة بجودة أحذيتها. صاحب المحل كلما نذهب لشراء حذاء يتكلم بحماسة كبيرة عن جودة أحذية الشركة والشهادات التي حازت عليها. كذلك الحال بالنسبة لجودة الصناعات والأجهزة الألمانية التي تميّزت بجودة عالية… ثم مرّت الأيام، وجاء يوم بدأتُ أسمع فيه عن جودة التعليم! اقرؤوا إعلانات مدارس النخبة العالمية والجامعات المرموقة (بالطب أو العلوم أو الرياضيات أو التربية…) اللغة التي تستعملها في التحدث عن نفسها تشبه كثيرا ما كنت أسمعه عن الأحذية: شهرتها عالمية، ترتيبها وفق هذا المقياس أو ذلك الأولى، متميزة بهذا أو ذاك عن غيرها، المكاسب التي سيجنيها من ينضم لها هائلة بمعنى أن الخريج سيكون مطلوبا أينما ذهب – ‘بضاعة’ عالمية، صالح في كل مكان وزمان، لا علاقة له بأي شيء سوى الطلب الكبير عليه وسعره بالسوق… باختصار: التحدث عن المدرسة أو الجامعة وعن الخريج وعن المعرفة كسلع ومن جودة عالية يوضح لماذا نحتاج إلى رؤى تتوافق مع مجموعة أخرى من القيم تختلف عن قيم الاستهلاك. وكثيرا ما يرتبط تميّزُها ومصداقيتها بأنها نسخة طبق الأصل عن جامعات مرموقة في أوروبا وأمريكا. أي نسخة عن لوحة ‘المونا ليزا’ مثلا (الذي سعرها بالملايين) لا يزيد سعرها عن ثمن الورق الذي تُطْبَع عليه. كذلك الحال بالنسبة للمدارس والجامعات. أي مدرسة أو جامعة لا تكون جذورها في المكان والثقافة والجغرافيا والتاريخ والحضارة والقناعات والقيم تكون في جوهرها عبارة عن مستوطنة معرفية، جسم غريب لا ينتمي للمكان ساقاه (وفق قول الرومي) في الهواء دون أن تكون إحداهما ثابتة. كما ذكرتُ في خاطرة سابقة، كنتُ محظوظا لأن أهلي وضعوني بمدرسة لم تفتخر بأنها أفضل من غيرها ولم يكن مديرها يسأل من يطلب الدخول فيها عن شهاداته من المدارس الأخرى، كما كان الناس يعتبرونها غير جدّية خالية من فيروس التنافس؛ كنا محميين منه. كلما كان يحدث أمر هم بالمنطقة، تتحول الحصص للحديث  عما يحدث. كان ارتباطنا بالمكان والمجتمع والثقافة والتاريخ والطبيعة جزءا من اهتمامات المدرسة. بعبارة أخرى، كنت محظوظا ليس بسبب جودتها كسلعة بالسوق بل للجو والعلاقات داخل المدرسة ومع محيطها. التحادث عن جودة التعليم يحوّل كل مكوناته إلى سلع لها سعر  بالسوق. حتى عندما تتحدث مدارس بافتخار عن قيامهم بخدمات في المجتمع وخروج للطبيعة، يكون في أغلبه دعائي يزيّن ويجمّل الصورة لكن لا يعكس جوهر المدرسة أو الجامعة في الجذور؛ في الجذور تطغى السلعية على كل شيء. لنتوقّف إذن عن التحدث عن جودة التعليم كسلعة، ونتكلم عن القناعات والقيم التي تحتكم المؤسسة بها.

#Munir_fasheh  #منير_فاشه   #مجاورة   #خواطر   #الطبيعة_الشافية   #احتلال_و_عودة  #العيش_بأمل  #تعلم  #التعلم_قدرة_عضوية  #التعلم_خارج_المدرسة