أهمية التمييز بين التقييم والقيمة
من أهم ما علينا توضيحه، في العصر الحالي، ويساعد في شفائنا من فيروسات فكرية وإدراكية، هو التمييز بين القيمة والتقييم، بين قيمة المرء وتقييمه. لم يستعمل العرب كلمة ’تقييم‘، بينما استعملوا ’قيمة‘ كما بعبارة الإمام علي ’قيمة كل امرئ ما يحسنه‘. هدف تركيز المدنية المهيمنة على التقييم هو تغييب قيمة المرء وفق ما يحسنه ووفق ’ما هلك امرؤٌ عرف قدْر نفسه‘ ووفق ما يبحث عنه بحياته وما ثابتٌ فيها. اعتماد المرء على مقاييس عمودية، تحددها مؤسسات ومهنيون وخبراء مرخصون، تُفْقِده المسؤولية للإدلاء بثقله كإنسان في المجتمع والحياة عامة. لذا، من الضروري جدا أن يبقى التمييز بين القيمة والتقييم حيّا في وعي الطلبة والهيئتين التدريسية والإدارية، والتربويين عامة.
التقييم والقيمة عالَمان لا يلتقيان (إلا بنواحٍ قليلة ليست بذي شأن). ربط القيمة بالتقييم يؤدي لتخريب القيمة ويلحقها بالتقييم كسيّد. ما يميّز ’القيمة‘ أنها ترتبط بعلاقة الشخص مع نفسه ومع من وما حوله، بعلاقات تبادلية، بينما يرتبط التقييم بسلطة وسيطرة. ترتبط قيمة المرء بالكرامة لا بالحقوق. تظهر الكرامة بسلوك الشخص ومواقفه، وليس بالمُطالبة بها. الحقوق، نطالب بها من الذين ينتهكوها! لهذا، تركّز المدنية المهيمنة على الحقوق لا الكرامة. أهالي الولايات المتحدة الأصليون لهم الحق في المطالبة بأراضيهم بالمحاكم. دفعوا مبالغ طائلة لمحامين ومحاكم دون أن يسترجعوا شيئا سوى الضئيل الضئيل!
باختصار شديد: ما له قيمة بالعمق لا يمكن تقييمه. لا يمكن وضع القيمة ضمن إطار نظري، بينما يمكن وضْعُ التقييم ضمن أطر نظرية. لا يمكن تقييم التعلم والكرامة والعافية والحكمة والتقوى والإيمان والتحادث والمسؤولية والإصغاء والذكاء والعاطفة والمجاورة. تقييم المرء بنواحٍ يمكن قياسها كمهارات ومعارف تقنية له معنى، لكن ليس في نواحٍ حياتية. لا يمكن إعطاء معنى ل’تقوى‘ عبر كلمات؛ نعرف أن شخصا تقيٌّ عبر أفعاله وتعامله. ما يمكن قياسه ويستطيع العقل استيعابه واللغة التعبيرعنه ينتمي للأغصان؛ ما لا يمكن للعقل إدراكه ولا للغة التعبير عنه ينتمي للجذور. ركيزة التعلم قصص وحكايات؛ ركيزة التعليم أبجدية ومصطلحات ونظريات.